الانقلاب على الانقلاب

الانقلاب على الانقلاب

المغرب اليوم -

الانقلاب على الانقلاب

توفيق بو عشرين

فجأة، استعار التلفزيون الرسمي المغربي لغة قناة الجزيرة وخطاب الإخوان المسلمين، وقال للمشير عبد الفتاح السيسي الحقيقة عارية من كل نفاق دبلوماسي. قال له إن ما قمت به صيف 2013 انقلاب عسكري على رئيس منتخب، وإن مصر تعيش في جلباب العسكر، والدولة سائرة إلى انهيار، وإن مشروعاً للانتقال الديمقراطي جرى إجهاضه عشية 30 يونيو، وإن ثورة 25 يناير لم يبق منها شيء.

الدولة التي ساندت وزارة الخارجية فيها الانقلاب العسكري، وبعثت رسالة إلى الرئيس المؤقت، عدلي منصور، تبارك له اغتصاب السلطة عقب إطاحة محمد مرسي، والدولة التي بَارَكت للسيسي الانتخابات الشكلية التي جرت تحت ظل البنادق وأحذية العسكر، هي نفسها، بعد أقل من سنة، تصارح السيسي بحقيقته، وتسمّي القطة قطة، كما المثل الفرنسي: السيسي انقلابي ومرسي رئيس شرعي، ومصر لم تتقدم خطوة نحو الاستقرار والرخاء والتطور.

ماذا جرى حتى وقع هذا الانقلاب الإعلامي على الانقلاب العسكري في المملكة المغربية، المعروفة بتحفظها الدبلوماسي، وابتعادها عن الحروب الكلامية؟

لا يوجد تفسير واحد لتقريرين إخباريين صدرا في اليوم نفسه، في القناتين اللتين يقودهما شخص معين من الملك محمد السادس. يقول بعضهم إن الرباط قلقة جداً من التقارب المصري الجزائري، خصوصاً أن الجارة الشرقية للمغرب تريد جرّ القاهرة إلى مواقف مؤيدة لجبهة بوليساريو، لاسيما أن وفوداً مصرية زارت مخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر أخيراً. لهذا، بعثت الرباط رسالة إلى السيسي في الإعلام الرسمي: إننا يمكن أن نستعمل سلاحاً فعالا ضد السلطة الحاكمة في مصر، إذا لم تراجعوا هذا التوجه الذي يزعجنا. وهناك من قال إن الهجمات المتكررة على المغرب في الإعلام المصري، الذي أصبح يسوّق «البلطجة الإعلامية» المنفلتة من كل قيد مهني أو قاعدة أخلاقية، هي سبب «قرصة الأذن» هذه، خصوصاً أن الرباط سبق أن قدمت احتجاجات متكررة على نيران تلفزات العسكر التي لا تعرف إلا إطلاق النار في كل اتجاه. ومع ذلك، لم تفلح أي جهة في وقف تجاوزات هذا الإعلام في حق المغرب وصورته في الخارج. وهناك من اعتبر أن الرباط تريد أن تصلح موقفاً سابقاً، اتخذته من الانقلاب في مصر، تحت تأثير دول الخليج، وأن الوقت حان لمراجعة هذا الخطأ الدبلوماسي، ولو بطرق غير مباشرة، خصوصاً أن الانقلاب لم ينجح سوى في تقويض أسس الشرعية الديمقراطية في مصر، ولم يحقق استقراراً ولا رخاءً ولا أمناً.

أياً كانت دوافع الانقلاب الإعلامي المغربي على الانقلاب العسكري، فإن قطاعات واسعة من الرأي العام المغربي رحّبت به، واعتبرته موقفاً يصحّح خطأً دبلوماسياً، ولو بأثر رجعي. ولا ننس أن التظاهرة الأبرز في إدانة مجزرتي رابعة والنهضة، خارج مصر، كانت في الرباط، وشارك إسلاميون ويساريون وعلمانيون فيها من منطلق إنساني وديمقراطي.

ماذا تعني النازلة المغربية المصرية؟ تعني أن الدول التي ساندت الانقلاب العسكري في مصر، في الشرق والغرب، لم تفعل ذلك قناعةً، ولا إيماناً بالانقلابات، بل من منطلق مصلحة أو حسابات أو عداوات، وأن السلطة القائمة في مصر مثل طفل لقيط جاء من علاقة غير شرعية، قد يتبناه الناس، لكنهم لا يعترفون به ولا يسجلونه في دفتر الحالة العائلية. ويكشف الموقف المغربي إلى أي حد تتعامل الدول بمنطق المصالح، لا المبادئ. وعلى الرغم من أن هذا المنطق هو العملة الرسمية في العلاقات الدولية، فإنه لا ينبغي لنا أن نطبّع معه وأن نقبله، وأن نسلّم به. الدولة فكرة أخلاقية، قبل أن تكون أداة لجلب المصالح ودفع المخاطر، والأنظمة الحديثة تقوم على شرعية ديمقراطية، ولهذا، لا يمكن أن يقبل مجتمع الدول نظاماً عنصرياً أو فاشياً أو ديكتاتورياً، مهما كانت المبررات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانقلاب على الانقلاب الانقلاب على الانقلاب



GMT 19:06 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ما بدأ في غزة… انتهى في داخل إيران

GMT 19:04 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الدمار والتدمير

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

تحليل الحروب على طريقة الأهلى والزمالك!

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الأهمّ هو بقاء النظام وليس بقاء النووي

GMT 18:50 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

GMT 18:49 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

إيران وأحصنة طروادة

GMT 18:48 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

دول الخليج ورسائل الوسطية

GMT 18:47 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

طبقية في زمن الحرب!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 21:53 2025 الخميس ,03 إبريل / نيسان

أداة سحرية لنسخ أي نص من شاشة جهاز ماك بسهولة

GMT 21:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

"إنستغرام" تختبر خاصية "الريلز" المقفلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib