العلاج بالصدمة

العلاج بالصدمة

المغرب اليوم -

العلاج بالصدمة

توفيق بوعشرين

أعود مرة أخرى إلى تقرير والي بنك المغرب، الذي قدمه الأسبوع الماضي أمام الملك، وتحدث بصراحة وجرأة عن المشاكل البنيوية للمملكة، وهي صراحة مطلوبة ومهمة في مشهد سياسي وحزبي غارق في الدجل والبولميك وسفاسف الأمور. الجواهري ضغط على الأماكن الحساسة في الجسم المغربي المريض، ومن هذه الأماكن الأكثر تضررا، التعليم، الذي لم تنجح الحكومات المتعاقبة في إصلاحه، ولم ينجح المستشار الراحل، عبد العزيز مزيان بلفقيه، في النهوض به، رغم أنه أعطي اليد الطولى في هذا القطاع من خلال إشرافه على تنزيل الميثاق الوطني للتربية الذي أعلن أولويتين أساسيتين في العشرية 1999 حتى 2009، هما إصلاح التعليم والحفاظ على الوحدة الترابية، ومع ذلك فشلت الدولة، نظاما وحكومة وأحزابا ونقابات ومدرسين وإداريين ومجتمعا، في إصلاح المدرسة والجامعة، اللتين تحولتا إلى قطعة حديد كبيرة في الرجل المغربية تمنعها من الحركة، وتقعدها عن النهوض الاقتصادي والاجتماعي. ماذا قال والي بنك المغرب عن هذا المشكل في تقريره السنوي؟ «يعتبر قطاع التربية والتكوين أكثر المجالات التي برزت فيها بشكل مثير للقلق الفجوة القائمة بين الطموحات والإنجازات الملموسة، فالتدهور المستمر الذي يشهده القطاع يشكل عقبة رئيسة أمام مسار التنمية ككل، وواقعا يبعدنا عن الطريق نحو الارتقاء إلى مصاف الدول الصاعدة». وما هو الحل بنظرك يا سيد الجواهري؟ الجواب من تقريره مرة أخرى: «إن فشل مختلف محاولات الإصلاح يستدعي اعتماد أسلوب العلاج بالصدمة، حيث يتعين على جميع الأطراف المعنية أن تتجاوز مصالحها الفئوية، وتعي أن ما يوجد على المحك اليوم هو مستقبل البلد.. يتبين من خلال المستوى المرتفع لنفقات التعليم أن المشكل لا يكمن في توفر الوسائل بل في انعدام الفعالية والنجاعة الذي يؤدي إلى ضعف المردودية».

العلاج بالصدمة تعبير جميل، لكن ماذا يوجد تحته؟ وما نوع الصدمة التي يجب أن نعرض لها جسم التعليم المشلول، أو القريب من الموت، لنعيد إليه الوعي والإحساس بالحياة؟ هناك أسلوبان للعلاج بالصدمة لقطاع التربية والتكوين؛ الأول أن نجرب منهجية الإصلاح من الداخل، وهذه الوصفة جربت لسنوات طويلة ولم تعط نتيجة إيجابية إلى الآن، لأن داء العطب في التعليم تغلغل في الخلايا الداخلية لنظام التربية والتكوين، والجسم لم يعد يستجيب للعلاج ولا يتجاوب مع الدواء لأسباب عدة، ليس هنا مجال لذكرها.

 الأسلوب الثاني هو العلاج بالصدمة من خارج بنية هذا النظام من خلال إعادة النظر في الأهداف المسطرة للتعليم، مع التركيز على ثلاثة أهداف ليس أكثر، وهي: تركيز مقومات الهوية المغربية في نفوس التلاميذ، اكتساب اللغات الحية، وإتقان الحساب، وإعطاء التلميذ المناهج التي تسمح له بالوصول إلى المعرفة التي أصبحت متاحة أمام الجميع. ثانيا، لا بد من القطع مع نمط الإدارة المركزية، وتفويض التعليم للجهات حسب ظروف وخصوصيات كل جهة. ثالثا، لا بد من إشراك أكبر للقطاع الخاص في النهوض بالتعليم، وتخصيص منح للتلاميذ الفقراء للولوج إلى هذا التعليم، وجعل هذا الأخير، بعد تنظيمه وتقنينه، قاطرة لجر التعليم العمومي إلى الأمام، ووضع قناطر لمرور التلاميذ من الخاص إلى العام ومن العام إلى الخاص حسب الظروف والأحوال. لا بد من إنشاء وكالة مستقلة عن الوزارة لإجراء الامتحانات والتقييم المستمر، ومن الضروري أن تنفتح على كفاءات أجنبية ومؤسسات دولية متخصصة لنقل التجربة والخبرة والمنهج إلى المغرب. لا يمكن أن تبقي رؤوسنا مدفونة في الرمال المحلية، وألا نرفعها لنرى أين وصلت الأمم الأخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العلاج بالصدمة العلاج بالصدمة



GMT 16:09 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

حرب «عاجل» والغبراء

GMT 16:08 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

الحرب الإسرائيلية ــ الإيرانية إلى أين؟

GMT 16:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

عن العقل العربي الغائب

GMT 16:06 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

ترمب... يمتطي حصان الحرب

GMT 16:05 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

المشرق العربي... البولندي

GMT 16:03 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

تأجيلُ مؤتمرِ سلامٍ مؤجَّلٍ

GMT 16:02 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

حسابات توازن القوى

GMT 16:01 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

الإيمان والمستقبل...الدين وبناء السلام

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 14:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته
المغرب اليوم - توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib