حتى يكون لفرحنا ما يبرره

حتى يكون لفرحنا ما يبرره

المغرب اليوم -

حتى يكون لفرحنا ما يبرره

توفيق بو عشرين

اليوم يحتفل المغاربة بعيد الاستقلال، أي بخروج فرنسا عسكريا من المغرب قبل 58 سنة، بعد مسار نضالي طويل، عسكري وسياسي وثقافي وديني، استمر لمدة 44 سنة، أي منذ توقيع معاهدة الحماية سنة 1912 إلى خروج فرنسا من المغرب سنة 1956. نحن بلاد تفاوضت على استقلالها بأقل قدر من المقاومة العسكرية مقارنة بشعوب أخرى. كانت هناك مقاومة عسكرية سطرت أمجادا كبيرة في كتاب التاريخ، لكنها مقاومة متقطعة زمنيا ومحدودة جغرافيا ومحصورة في فئات محدودة، لكن أغلبية النخب المغربية كانت إما مع المقاومة السلمية، أو متعاونة مع الاستعمار، أو تلتزم الصمت وتراقب من بعيد…

مرت ستون سنة على استقلال المغرب ولم نستطع بعد أن نتخلص من ضعفنا وتخلفنا وعدم القدرة على الالتحاق بركب الدول المتقدمة المنتجة المؤثرة في محيطها وفي العالم.. 60 سنة أضعنا منها عقودا وعقودا في الصراع على السلطة بين القصر ونخب الحركة الوطنية، وضيعنا خلالها فرصا كثيرة للالتحاق بركب الدول الصاعدة، وأضعنا الطريق لوضع خريطة لبناء المغرب الذي نستحق.. 60 سنة مازال فيها القطار يقف عند مراكش، تماماً كما كان يوم خرج الاستعمار من المغرب، وهذا مؤشر رمزي دال على أن البلاد لم توضع على السكة إلى حد الآن. نعم، وقع تقدم مادي وغير مادي في أكثر من ورش عمراني وتجاري وفلاحي ومالي ومؤسساتي، لكنه نمو بفعل الزمن، وبفعل الاحتكاك بالاقتصاد العالمي، وبفعل الزيادة في عدد السكان، وبفعل استغلال ثروات البلاد الطبيعية، وليس بفعل تنمية شاملة أو بفعل خطة ومشروع نهوض وانبعاث أمة، لهذا مازلنا إلى اليوم نرقع الثقوب في «دربالة» المغرب

إلى الآن نحن بلاد تعيش على القروض الأجنبية لسد عجز الميزانية، وإلى الآن نحن بلاد تعيش على المساعدات التي تأتي من الخارج، وهي في الغالب مشروطة، وإلى الآن نحن بلاد لا تحقق الاكتفاء الذاتي في أي شيء، لا في الغذاء ولا في الصناعة ولا في التجارة، وإلى الآن نحن بلاد لم تدخل بعد إلى نادي الدول الديمقراطية، وميزانيتها أقل من ميزانية مدن متوسطة في أوروبا. الأرقام لا تكذب، وإطلالة سريعة على كل مؤشرات الاقتصاد المادي وغير المادي تقول للملاحظ كل شيء عن هشاشة البلاد التي تنعكس على مستوى الدخل الفردي، ونسبة الفقر وسط السكان، ونسبة التغطية الصحية، ونسبة السكن اللائق و…

إذن، نحن نحتفل اليوم بخروج الاستعمار من بلادنا، ونبتهج بنهاية عهد الحجر والوصاية الفرنسية والإسبانية، وهذا فخر وطني وسياسي بلا شك، لكننا لا نحتفل ببناء دولة عصرية متقدمة قوية ومؤثرة في محيطها والعالم كما كان آباؤنا وأجدادنا يحلمون. نحن بلاد يتسابق فيها الأغنياء والفقراء على الهجرة إلى الخارج، ويسارعون للبحث عن فرص أفضل في أوروبا للعمل والدراسة وشراء منزل وفتح حساب في البنك (هناك ظاهرة مقلقة بدأت تتسع منذ عشر سنوات وهي اتجاه عائلات من الطبقات الغنية والمتوسطة إلى أمريكا وكندا وأوروبا لوضع مواليدها في مستشفيات هذه الدول، وذلك ليأخذ الأبناء جنسيات هذه الدول مباشرة بعد أن يروا النور، لأن هذه العائلات لا تثق في مستقبل البلاد التي نحتفل اليوم باستقلالها، ومن هذه العائلات عائلات سياسيين ووزراء وأغنياء ومثقفين ورجال دين ومسؤولين في الدولة… جل القادرين على دفع تكلفة السفر ودخول مستشفى خاص أو عام لوضع المولود بين يدي جواز السفر الأجنبي يفعل ذلك في محاولة لزرع الذرية في تربة أخرى غير تربة بلدها).

لا أريد أن أفسد على أحد جو الاحتفال بعيد الاستقلال، ولا أريد أن أردد قول الشاعر: «بأي حال عدت يا عيد»، لكنها الحقيقة التي تُسائلنا جميعا في مثل هذه المناسبات، حيث يلبس الحزن قناع الفرح، وتتستر المظاهر على الحقيقة، ويطغى الارتياح الظاهر على القلق العميق، ويستر الرماد الجمر الموجود تحته… هناك أكثر من جواب عن سؤال العطب المغربي قديما وحديثا، كل واحد يراه من زاويته، ويقترح له دواء من صيدليته، لكن العطب موجود، وعلينا أن نجد له حلا، وأن نعيد تحرير المغرب، هذه المرة من الفساد والاستبداد والتبعية والتخلف والظلم والرداءة والأمية والفقر والخوف والفوضى، حتى يكون لاحتفالنا معنى ولفرحنا مبرر…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى يكون لفرحنا ما يبرره حتى يكون لفرحنا ما يبرره



GMT 19:06 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ما بدأ في غزة… انتهى في داخل إيران

GMT 19:04 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الدمار والتدمير

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

تحليل الحروب على طريقة الأهلى والزمالك!

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الأهمّ هو بقاء النظام وليس بقاء النووي

GMT 18:50 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

GMT 18:49 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

إيران وأحصنة طروادة

GMT 18:48 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

دول الخليج ورسائل الوسطية

GMT 18:47 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

طبقية في زمن الحرب!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 21:53 2025 الخميس ,03 إبريل / نيسان

أداة سحرية لنسخ أي نص من شاشة جهاز ماك بسهولة

GMT 21:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

"إنستغرام" تختبر خاصية "الريلز" المقفلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib