طبول الحرب بدأت تدق

طبول الحرب بدأت تدق

المغرب اليوم -

طبول الحرب بدأت تدق

توفيق بو عشرين

بدأت معالم الرد الفرنسي على مجزرة «شارلي إيبدو» تظهر شيئا فشيئا. يوم الأحد عقد وزراء داخلية 11 بلدا أوروبيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، اجتماعا طارئا في باريس، وخرجوا بحزمة إجراءات أمنية على السريع، في انتظار بلورة استراتيجية أمنية شاملة لمواجهة الخلايا المتطرفة النائمة والمستيقظة، وحتى تلك التي في طور التشكل. ومن هذه الإجراءات: أولا، تقييد حرية تنقل الأفراد الموضوعين على لوائح المشتبه في كونهم متطرفين وقد يتحولون إلى إرهابيين. هذا معناه مس حرية التنقل بدون مبرر قانوني أو أمر قضائي. ثانيا، مراقبة الأنترنت أكثر، والتجسس على المحادثات وعلى المضمون المتطرف على «النيت»، والتدخل لحذفه أو توجيهه أو مساءلة القائمين عليه، وهذا معناه المس بحرية الرأي والتعبير التي تكفلها القوانين الأوروبية. ثالثا، إعادة النظر في شروط منح تأشيرة شينغن، وهذا معناه المزيد من وضع القيود على دخول العرب والمغاربيين والأفارقة إلى أوروبا، حتى وإن كان المتهمان في مجزرة «شارلي إيبدو» مواطنين فرنسيين ولدا على أرض فرنسية، وتعلما في مدارس فرنسية، وليسا سائحين ولا وافدين على أراضيها. رابعا، منع المشتبه فيهم من السفر من وإلى الأراضي الأوروبية خاصة من وإلى مناطق التوتر والنزاع المسلحة حتى دون أن يكون هؤلاء محل متابعة قضائية، وهذا معناه مس الحق في السفر. كل هذه الإجراءات، وغيرها كثير، سترهق الأوروبيين المسلمين الذين سيوضعون في قفص الاتهام دون ذنب…

هذا كان يوم الأحد الماضي، أما يوم الاثنين فأعلن وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، أن «الجيش الفرنسي سيخرج 10 آلاف جندي لحماية الأماكن العامة والحساسة في الجمهورية، وأن دوريات للجيش ستنتشر في الشوارع العامة ومحطات النقل لتأمين مؤسسات الدولة ومواطنيها، لأن الخطر مازال قائما وعلينا أن نحمي أنفسنا». هذا معناه أن حالة طوارئ ستعلن لإشعار المواطن العادي بأن مجزرة «شارلي إيبدو» لم تنته، وأن ما رأيناه في التلفزة هو حلقة في مسلسل مازال مستمرا.

أما وزارة الخارجية الفرنسية، فإنها تجري مباحثات على أعلى مستوى وسط الاتحاد الأوروبي ومع أمريكا لدراسة طرق الرد على الإرهاب الذي أصبح يضرب في وسط العواصم الأوروبية، ويغتال رموز الحرية والتعددية والحق في التعبير الحر…

مما سبق يتضح أن العملية لم تنته بقتل الأخوين كواشي وصديقهما كوليبالي. العملية الأهم لم تبدأ بعد، وكل ما نراه ما هو إلا تسخينات لحرب مقبلة ستلعب فيها فرنسا رأس حربة لمحاربة الإرهاب ومطاردته في أماكن ولادته، وفي الطريق إلى محاربة هذا الإرهاب الذي لا يعرف أحد كيف سيقضى عليه، ستحقق فرنسا وأوروبا وأمريكا والحلف الأطلسي مهام أخرى، مثل القضاء على النظام السوري، وتحجيم الدور الإيراني، ونزع لبنان من يد حزب الله، وتخليص السعودية من قاعدة اليمن أولا، ومن الحوثي ثانيا، وطي صفحة الربيع العربي نهائيا…

لكل هدف من هذه الأهداف جهة ستستفيد منها، وأولها إسرائيل التي تريد أن تستيقظ ولا تسمع شيئا اسمه المشروع النووي الإيراني، وثانيا أوروبا والغرب اللذان لا يريدان أن يريا صور الأسد في الإعلام في السنة المقبلة لأنه أصبح يرمز إلى تحدي روسيا وإيران للغرب، كما أن سوريا صارت أكبر معسكر لتدريب وتخريج الإرهابيين بمختلف طبعاتهم، حتى إنهم أصبحوا يتجرؤون على الضرب في باريس بعد أن كانوا يضربون في حلب والموصل وبيروت والرقة واليمن وصعدة… أما السعودية فإنها تعرف أن للقاعدة أتباعا في مملكتها أكثر مما كان يحلم أسامة بن لادن، ولهذا فإنها مستعدة للتوقيع على شيك على بياض للذي يخلصها من هذه الشوكة اليوم قبل الغد.

من سيدفع تكلفة الحرب المقبلة التي ستأخذ أشكالا متنوعة، ليست بالضرورة الحرب التقليدية التي نعرفها؟ الذي سيدفع الفاتورة هي دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية التي حققت فوائض مالية كبيرة منذ أكثر من خمس سنوات عندما لم يكن سعر البرميل ينزل عن 100 دولار…

من الأربعاء، يوم وقوع الجريمة، إلى الأحد كانت هناك الدموع والمشاعر والرموز والأحزان هي التي تتكلم. يوم الاثنين سيشرع العقل العسكري والأمني والسياسي والدبلوماسي في الاشتغال، وتوظيف المسيرة الضخمة التي خرجت تندد بالإرهاب، واستغلال تعاطف العالم مع جريدة «شارلي إيبدو» التي فقدت نصف هيئة تحريرها… الذي سهر على هذا الإخراج الدرامي العالمي المؤثر لحفل تأبين الضحايا الـ17 لم يفعل ذلك فقط إكراما للموتى، ودفاعا عن قيم الجمهورية، بل وكذلك لتهيئة المناخ لقرارات كبيرة ومصيرية ستتخذ في القادم من الأيام ضد الإرهاب وأوكاره وأعشاشه، لكنها ستطال أيضا أطرافا أخرى لم يكن من الممكن المرور إليها بدون إراقة دم غزير  في صالة تحرير «شارلي إيبدو».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طبول الحرب بدأت تدق طبول الحرب بدأت تدق



GMT 19:06 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ما بدأ في غزة… انتهى في داخل إيران

GMT 19:04 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الدمار والتدمير

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

تحليل الحروب على طريقة الأهلى والزمالك!

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الأهمّ هو بقاء النظام وليس بقاء النووي

GMT 18:50 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

GMT 18:49 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

إيران وأحصنة طروادة

GMT 18:48 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

دول الخليج ورسائل الوسطية

GMT 18:47 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

طبقية في زمن الحرب!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 21:53 2025 الخميس ,03 إبريل / نيسان

أداة سحرية لنسخ أي نص من شاشة جهاز ماك بسهولة

GMT 21:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

"إنستغرام" تختبر خاصية "الريلز" المقفلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib