كفى من البكاء

كفى من البكاء

المغرب اليوم -

كفى من البكاء

توفيق بوعشرين

دموع غزيرة تسيل على خد إسرائيل ودول الخليج والجمهوريين في الكونغرس الأمريكي. كل هؤلاء يجمعهم موقف المعارضة الشرسة للاتفاق الدبلوماسي مع إيران حول مستقبل مشروعها النووي. أوباما تحدى كل هؤلاء وخرج يقول: «إذا كان لديكم بديل آخر لوقف السعي الإيراني نحو امتلاك السلاح النووي فدلوني عليه». ولم يجبه أحد ببديل عملي عن التفاوض الدبلوماسي، مادام الخيار العسكري مستبعدا تماما في أمريكا وأوروبا. الجواب الوحيد الذي يردده المعارضون لاتفاق فيينا هو إبقاء الوضع على ما هو عليه، أي الاحتفاظ بالعقوبات الاقتصادية القاسية على ملالي طهران، ومزيد من عزل نظام الخميني حتى يسقط من الداخل… أوباما يقول لهم: «لقد جربنا هذا الخيار لمدة 36 سنة منذ قيام الثورة الإيرانية سنة 1979، وجربنا الدرجة الثالثة من الحصار الاقتصادي على إيران منذ 10 سنوات، فماذا كانت النتيجة؟).

لم تتوقف طهران عن الجري نحو امتلاك السلاح النووي، ولم تتقوقع في ما وراء حدودها الجغرافية، ولم تدفعها العقوبات الاقتصادية إلى التخلي عن مشروع امتلاك سلاح نووي، ومشروع زرع أذرع ظاهرة وخفية في البطن العربي الرخو. لقد صارت إيران لاعبا إقليميا كبيرا يمتلك أوراقا مهمة في الأزمة السورية والعراقية واللبنانية واليمنية والبحرينية والفلسطينية، وجنرالها قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، هو الجنرال الوحيد الذي ينسق المعارك على الأرض ضد داعش في العراق وسوريا…

لنعترف بالحقيقة وبعدها نفكر في الحل. إيران، ورغم كل الانتقادات لسياستها الطائفية وقوميتها المتشددة وأخطائها في العالم العربي، فإنها استطاعت أن تبني قوة عسكرية ومشروعا نوويا وموقعا إقليميا تتفاوض بأوراقه مع أمريكا وأوربا، وتكسب من وراء هذا الموقع اعترافا دوليا بها كقوة إقليمية لا يمكن تجاهل دورها. الملالي الذين كان حكام العرب يحتقرونهم، ويعتبرونهم فقهاء جاؤوا من العصور الوسطى إلى العالم المعاصر، وأن بقاءهم في السلطة لن يدوم إلا قليلا، أثبتوا أنهم دهاة وشطار، ويعرفون كيف يتفاوضون مع الغرب، وكيف يصبرون في لعبة عض الأصابع.

الآن عِوَض البكاء على الاتفاق، والجلوس في مجلس واحد للنواح مع إسرائيل واليمين الأمريكي المتعصب، الذي قاد العالم العربي إلى كوارث مازلنا نعيش آثارها كعرب في العراق الذي احتلوه وفككوا الدولة فيه، وحلوا الجيش وقدموه على طبق من ذهب لغلاة الميلشيات الشيعية، التي جاءت للانتقام من السنة باعتبارهم من أتباع نظام البعث البائد، وهو الأمر الذي قاد إلى الفتنة الطائفية التي مهدت الطريق لدخول تنظيم القاعدة إلى العراق، وبعده تنظيم داعش الوحشي الذي رأى فيه السنة سلاح الردع الفتاك ضد تطرف المالكي وهمجية الأحزاب والميلشيات التي تدعي القتال تحت راية الحسين بن علي رضي الله عنهما.

الحل هو جعل اتفاق فيينا وسيلة ضغط على إيران لتغيير سياساتها في المنطقة العربية، وليس حبل نجاة من ورطتها الاقتصادية والإبقاء على سياستها كما هي في الجوار الهش، وهذا ما انتبه إليه المرشد الأعلى علي خامنئي في خطبة عيد الفطر، حيث أكد إبعاد القضايا الإقليمية عن بنود الاتفاق النووي، لكن هذه أمنية وليست سياسة. الغرب سيفتح المفاوضات مع إيران حول مستقبل الأسد في سوريا ومستقبل الحرب اليمنية ومستقبل الحرب على داعش، وكل القضايا العالقة. إنها الملاحق غير المرئية للاتفاق، وإيران لا ترفض حتى وإن كان الحرس الجمهوري والمتشددون يقولون عكس ذلك، لكن أمريكا لن تدافع عن مصالح العرب طوعا. لا بد أن يجلس العرب مع الإيرانيين. يكفي أنهم أبعدوا عن المفاوضات في فيينا، وحضرتها ألمانيا والصين والخمسة الكبار في مجلس الأمن، فيما غاب المعنيون الرئيسيون بالسلوك الإيراني في المنطقة، أي العرب.

تمتلك السعودية ودول الخليج أوراقا للضغط على إيران؛ أولاها مراجعة أسعار النفط التي نزلت بسبب تصلب الرياض في موضوع تنزيل معدل الإنتاج اليومي، ما جعل الأسعار تنهار إلى النصف. الآن يمكن التفاوض حول مراجعة معدل الإنتاج من أجل السماح لسعر برميل البترول بالصعود. ثانيا، يمتلك العرب إمكانية إحياء الحل السياسي للأزمة السورية، والعدول عن الحل العسكري الذي لم ينتج إلا الدمار، وغدا حتى ولو نجح في إسقاط الأسد فإن الميلشيات المسلحة ستعلن حرب الجميع ضد الجميع. تمتلك الدول العربية، أو بعضها على الأقل، فرصة تشكيل جيش موحد للقضاء على داعش، والتفاوض حول مستقبل العراق وسنته مع إيران وأمريكا. تمتلك السعودية أوراق ضغط على إيران في اليمن، وكل ليونة من قبل الرياض قد تدفع الحوثيين إلى مراجعة أوراقهم بعد الكوارث التي حلت بالبلد الذي عاد مئات السنين إلى الوراء. كلها أوراق يمكن استعمالها لجر إيران إلى التطبيع مع جيرانها، فهي دولة في نهاية المطاف لها مصالح وشعب يريد أن يعيش في سلام، وأن يجد فرص عمل وتأشيرات سفر ونمط عيش حديث. إيران ليست تجمع حوزات علمية وملالي بلا عقل.. إنهم يحسبون جيدا، فلا تدققوا في كلامهم وخطبهم.. انظروا إلى أفعالهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كفى من البكاء كفى من البكاء



GMT 16:09 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

حرب «عاجل» والغبراء

GMT 16:08 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

الحرب الإسرائيلية ــ الإيرانية إلى أين؟

GMT 16:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

عن العقل العربي الغائب

GMT 16:06 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

ترمب... يمتطي حصان الحرب

GMT 16:05 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

المشرق العربي... البولندي

GMT 16:03 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

تأجيلُ مؤتمرِ سلامٍ مؤجَّلٍ

GMT 16:02 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

حسابات توازن القوى

GMT 16:01 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

الإيمان والمستقبل...الدين وبناء السلام

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 14:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته
المغرب اليوم - توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته

GMT 02:17 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

القبعات القش تتصدر قائمة أحدث صيحات الموضة

GMT 05:46 2020 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

شركة "لفيت" تنافس بأقوى سيارات الدفع الرباعي في العالم

GMT 10:29 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل ألوان احمر الشفاه لشتاء 2020
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib