مبروك العودة إلى حضن «ماما» فرنسا

مبروك العودة إلى حضن «ماما» فرنسا

المغرب اليوم -

مبروك العودة إلى حضن «ماما» فرنسا

توفيق بوعشرين

مبروك لإخواننا الفرانكفونيين المغاربة عودة الدفء إلى العلاقات المغربية-الفرنسية بعد سنة من القطيعة… مبروك عودتكم إلى حجر ماما فرنسا ودفئها الذي افتقدتموه اثني عشر شهرا كاملا. مبروك لمواطنينا الذين ذرفوا دموعا غزيرة على فراق الحبيبة فرنسا، وتألموا للقصف الإعلامي الذي أصاب باريس طيلة سنة كاملة في صحافة المغرب، حتى خيل إليهم أن فرنسا خرجت ولن تعود أبدا إلى المملكة الشريفة، وأن الفرنسية، اللغة الرسمية في المغرب، ستفقد قيمتها، وستكتب بحروف عربية السنة المقبلة استعدادا لتسليم قلعتها التاريخية للإنجليزية أو الصينية أو الإسبانية، لا قدر الله…

إنني أفهم فرحكم أعزائي الفرانكفونيين الذين يحملون المظلات إذا أمطرت السماء في باريس، والذين يعطسون في الدار البيضاء إذا أصيبت فرنسا بالبرد، وهم لا يرون علاقات الرباط بباريس خارج عقد زواج كاثوليكي لا طلاق فيه ولا شقاق.

ها هي العلاقات الدبلوماسية رجعت إلى مكانها، وها هي الزيارات الوزارية ستعاود نشاطها، وها هي شهية الشركات الفرنسية ستنفتح من جديد على المشاريع الكثيرة التي تلوح في الأفق المغربي، وستحصل فرنسا على حصتها بأثر رجعي.. نعم بأثر رجعي، فالتعويض عن الضرر من مبادئ العدالة الدولية.

هل تتصورون أن هناك حياة أخرى بعيدا عن فرنسا؟ سيقول بعض المغفلين: «نعم، هناك مدريد القريبة جغرافيا منا»، وسنقول لهم إننا لا نحب «البايلا»، ولا تستهوينا العلاقات التي فيها ندية مع أوروبا، وسيقولون لنا: «هناك واشنطن»، وسنقول لهم إن الطريق إلى أمريكا يمر عبر مطار شارل دوغول، وعلى متن الخطوط الجوية الفرنسية لو تعلمون. سيقولون لنا: «هناك المارد الصيني الصاعد»، وسنقول لهم «بسم الله الرحمان الرحيم».. الصينيون لا يفهموننا ونحن لا نفهمهم.. يبعثون إلى الرباط مترجمين لنقل الصينية إلى العربية، ونحن نتحدث الفرنسية، وعندما نتكلم بالعرنسية (خليط بين العربية والفرنسية) لا يفهمون شيئا مما نقوله، ومن ثم يرجعون إلى بلادهم، ويقولون لحكامهم في بيكين: «لا تتعبوا أنفسكم.. المغرب حديقة خلفية لفرنسا مسجلة باسمها».

لقد وقع خطأ وتجرأ القضاء في فرنسا على مدير مخابراتكم، وبعث كتيبة كاملة لضبطه وإحضاره وهو في ضيافة السفير المغربي في باريس، وكان ضروريا أن تغضب المملكة وأن تحمر وجنتاها، فهي لا تغضب من البعيد ولا تبالي بإساءة الغريب، لكن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند.

لكن بعد العتاب والهجر جاء اللقاء، وما أحلى اللقاء بعد الهجر. هل رأيتم الوزيرة توبيرا وهي سعيدة بوضع يدها في يد مصطفى الرميد أطول وقت ممكن، حتى تسري الحرارة في جسم العلاقات التي أصيبت بالبرد. إنها امرأة رومانسية على طريقتها.. هل رأيتم فرح الأطفال على وجه فرنسوا هولاند وهو يستقبل الملك محمد السادس في قصر الإليزيه، حتى إنه لم يصبر على كنوز المعلومات الأمنية الموجودة عند الحموشي والمنصوري، فأصر ساكن الإليزيه على الإشارة إليها في البيان الذي صدر بعد لقاء القمة، وكأنه يقول لمواطنيه إن هذا هو السبب وراء بلع الإهانة المغربية والموافقة على تغيير الاتفاقيات القضائية بين الرباط وباريس لرفع يد القضاء الفرنسي عن متابعة أي مسؤول مغربي…

تعجبني ماما فرنسا فهي لا تبالي بالشكليات، ولا تسمح لعاطفتها بأن تتغلب على مصالحها. إنها تعرف جيدا المملكة الشريفة، فابنها البار، الماريشال الليوطي هو واحد من بناة المغرب المعاصر، وهو الذي اختار لنا العلم الوطني، وهو من بنى إدارتنا التي مازالت إلى اليوم تدين بالفضل للإقامة العامة، وتذكر موتى فرنسا بكل خير، حتى أولائك الذين سقطوا برصاص المقاومة نكرمهم ونوصي بهم خيرا، ولا نحرج ذكراهم بالحديث عن جرائم فرنسا في المغرب من 1912 إلى 1956. هل رأيتم «تجانتلمان» أكثر منا.. نغطي دماء ضحايانا حتى لا نجرح مشاعر القاتل، ونحول عيد الاستقلال إلى يوم للفرح لا يوم حزن على من سقط شهيدا وهو يقاوم الاستعمار. أصلا كلمة استعمار يجب أن تزول من القاموس المغربي الفرنسي، فنحن أصدقاء وإخوة وشركاء، ودماؤنا اختلطت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي حرب لاندوشين. ألا تتذكرون أن عشرات الآلاف من المغاربة قتلوا دفاعا عن فرنسا ضد الألمان، لأن هتلر، لعنه الله، فكر في احتلال باريس، وفي تقليد فرنسا التي كانت تحتل نصف إفريقيا ولبنان وسوريا، فما كان من أجدادنا إلا أن تطوعوا للقتال في صف المحتل ضد محتل آخر…

يكفي ما ذكرنا من التاريخ، ولنرجع إلى تقطيع حلوى رجوع مياه العلاقات المغربية الفرنسية إلى مجراها. القطيعة لا تليق بعلاقتنا بماما فرنسا. ألم تسمعوا المثل الإفريقي الذي يقول: «من أجل منعهم من الابتعاد عنها، تقضي اللبؤة النهار بطوله تلاعب أشبالها».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مبروك العودة إلى حضن «ماما» فرنسا مبروك العودة إلى حضن «ماما» فرنسا



GMT 19:06 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ما بدأ في غزة… انتهى في داخل إيران

GMT 19:04 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الدمار والتدمير

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

تحليل الحروب على طريقة الأهلى والزمالك!

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الأهمّ هو بقاء النظام وليس بقاء النووي

GMT 18:50 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

GMT 18:49 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

إيران وأحصنة طروادة

GMT 18:48 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

دول الخليج ورسائل الوسطية

GMT 18:47 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

طبقية في زمن الحرب!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 21:53 2025 الخميس ,03 إبريل / نيسان

أداة سحرية لنسخ أي نص من شاشة جهاز ماك بسهولة

GMT 21:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

"إنستغرام" تختبر خاصية "الريلز" المقفلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib