أطماع السلطان

أطماع السلطان

المغرب اليوم -

أطماع السلطان

بقلم توفيق بو عشرين

عندما يركب اثنان الحصان نفسه فلا بد لواحد منهما أن يرجع إلى الخلف.. هذا هو حال الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء أوغلو، حيث انتهى الصراع بينهما على من يقود تركيا إلى نزول الثاني من الحصان، وبقاء السلطان وحيدا يغني على ظهر تركيا.

لم يعد سرا أن رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، على خلاف كبير مع رئيس الدولة وزعيم الحزب الروحي، رجب طيب أردوغان.. الأول يريد أن يتصرف كرئيس حكومة، أعطاه الدستور صلاحيات أن يكون قائد السياسات المتبعة في الدولة، والثاني يريد أن يتصرف وكأنه في نظام رئاسي وليس برلمانيا، ويعتبر أن انتخابه مباشرة من الشعب، على خلاف الرؤساء الآخرين الذين كان ينتخبهم البرلمان، معناه أنه زعيم البلاد الأوحد، وأن الآخرين يجب أن يتصرفوا كمعاونين له وليسوا شركاء.

قبل خمسة أيام، قال أردوغان، في خطاب علني أمام منتخبي الحزب: «أي مسؤول يجب أن يعلم جيدا أنه جاء ليكون خادما للشعب، والأهم من ذلك أن يعلم جيدا كيف جاء إلى هذا المنصب»، في إشارة لا تخطئها الأذن إلى الطريقة التي جاء بها أوغلو إلى رئاسة الحزب وإلى رئاسة الحكومة، حيث كان لأردوغان الفضل الكبير على أوغلو الذي قفز إلى الأمام متخطيا قيادات كثيرة في الحزب، لكن هذا الأخير لم يكن يتصور أنه سيصير تابعا للسلطان أردوغان.. وأنه سيصبح مطالبا بتوقيع شهادة وفاة صلاحيات رئيس الحكومة، وتفويتها إلى رئيس الدولة بعد تعديلات دستورية ستغير شكل النظام في تركيا من برلماني إلى رئاسي. أكثر من هذا، لما بدأ الخلاف يدب بين رئيس الحكومة ورئيس الدولة، عمد أردوغان إلى استعمال سلاح خطير مع أوغلو تمثل في اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية، التي يملك فيها أردوغان أصواتا كثيرة مازالت موالية له، رغم أن دستور البلاد يمنع على الرئيس الانتماء الحزبي، ويفرض عليه البقاء على المسافة نفسها إزاء كل الأحزاب.. حرك الزعيم كتيبة اللجنة المركزية التي بدأت تقلق راحة رئيس الحزب، وتطالب بتقليص صلاحياته في اختيار المسؤولين، وفي اتخاذ قرارات مهمة في سياسة الدولة دون الرجوع إليها.

رد أوغلو لم يتأخر، وهو يعرف أن ميزان القوى ليس في صالحه، وأن أردوغان، الذي جاء به إلى قيادة الحزب، يستطيع أن يقيله، أو أن يجعل حياته فوق كرسي الحكم قطعة من الجحيم. بعد 24 ساعة على كلام أردوغان الذي قطر الشمع على رفيقه السابق خرج هذا الأخير يقول: «أنا لا أخشى سوى الله، ولا أخشى ما يكتب ويقال عني، وأنا مستعد للتخلي عن أي منصب، وأن أضحي بنفسي من أجل بقاء حزب العدالة والتنمية متماسكا وموحدا».

في الـ22 من هذا الشهر، سيعقد حزب المصباح التركي مؤتمرا استثنائيا، وسيغادر أوغلو السفينة، وسيضع أردوغان مكانه رئيس حزب وحكومة جديدا سيقبل بإملاءات السلطان، الذي يريد أن يقود البلاد لوحده لأنه يتصور أن الشعب مازال معه، والبلاد تحتاج إليه، والأخطار تحدق بتجربته، وأنه وحده من يستطيع مواجهة الشرق والغرب دفاعا عن عودة أمجاد الباب العالي.

كاتب هذه السطور يتابع تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا منذ سنوات، والتقى كصحافي جل قيادات الدولة والحزب في تركيا وخارجها، وقرأ وسمع، من المعنيين بالأمر ومن غيرهم، عن تصوراتهم وسياساتهم وقراراتهم حول النهوض بالدولة التركية ومحاربة الفقر وزيادة الدخل، وإطلاق أوراش كبيرة غيرت وجه البلاد، والأهم من هذا هو قيادة مصالحة تاريخية بين الإسلام السياسي والديمقراطية واقتصاد السوق، وهو، كما غيره، كان متحمسا لنجاح هذه التجربة لاعتبارين؛ أولا بأمل أن تصير نموذجا للنهوض من التخلف، وإخراج تركيا من الاستبداد وحكم العسكر، ووضعها على طريق تجربة انتقال ديمقراطي سلس ومتدرج يدخل دولة مسلمة إلى قائمة التجارب الناجحة في التحول الديمقراطي، مثل إسبانيا واليونان والبرتغال وجنوب إفريقيا، ومن جهة أخرى، كنت أرى في تجربة حزب العدالة والتنمية التركي نموذجا جديدا وعصريا لحزب إسلامي معتدل يقود نموذجا ناجحا على درب الديمقراطية والتنمية، وأن هذا النموذج، إن كتب له النجاح، فإنه قد يمارس سحره على آخرين، وقد يؤثر في عقلية الإسلاميين العرب والمغاربة، ويدفعهم إلى استلهام النموذج، ولو في خطوطه العريضة، باعتباره نموذجا يصالح بين الدين والحرية، بين الإسلام والديمقراطية، وأن الأفق المفتوح أمام الإسلاميين للحكم وللاندماج في أوطانهم ودولهم والعصر الذي يعيشونه، رهين بتحولهم من أحزاب أصولية إلى أحزاب محافظة، من حركات تخاف الحرية إلى حركات تخاف الاستبداد، وأن القلق على الإسلام يجب ألا يتحول إلى إقلاق للمسلمين.

لكل هذه الاعتبارات أرى أن السلطان التركي يخطئ في حق بلده وحزبه وصورته في الداخل والخارج، وأن أردوغان لعبت برأسه خمر السلطة ومخدر الشعبية، وهو على طريق أن يحول تجربته الناجحة في تفكيك حكم العسكر والنهوض بأوضاع تركيا إلى نموذج سلطوي وشعبوي يخنق قيم الديمقراطية، ويطارد حرية الرأي والصحافة، ويرفض مبدأ التناوب، ولا يعرف كيف ينسحب في الوقت الملائم من السلطة بدعوى الخوف من الأعداء.

كما وقفنا على نجاح أردوغان عندما حقق نسبة نمو تصل إلى ٪12‏، وكما نوهنا بحكومته عندما ضاعفت الدخل الفردي ثلاث مرات في ظرف 10 سنوات، نقول اليوم إن تركيا تحتاج إلى رئيس عادي، وليس إلى سلطان، وتحتاج إلى نظام ديمقراطي وليس إلى زعيم، وتحتاج إلى حزب قوي وليس إلى دراويش يرقصون على إيقاع شيخ الطريقة.. هناك عدة طرق لمقاومة إغراء السلطة، وأولاها أن تنسحب منها، أو أن تقبل اقتسامها، وأن ترضى بتداولها، غير هذا فهو الاستبداد، وهو داء قديم في جسم الأمة شفاها الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أطماع السلطان أطماع السلطان



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:27 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 02:03 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

أجمل موديلات فساتين عروس طبقات 2020

GMT 07:33 2023 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يُصبح هداف مصر التاريخي في تصفيات كأس العالم

GMT 14:18 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

مصر ترد على وكالة "ناسا" بشأن الإعصار المتجه نحو البلاد

GMT 13:10 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

طاليب ينتقد معارضيه بعد انتصاره على الوداد

GMT 04:24 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

برنامج تجسس" يستهدف الهواتف ويسرق محتوياتها في المغرب"

GMT 19:09 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ليليان تورام يزور أكاديمية نادي الفتح الرياضي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib