علف لا يحتاج إلى ماء وسياسة تحتاج إلى أخلاق

علف لا يحتاج إلى ماء وسياسة تحتاج إلى أخلاق

المغرب اليوم -

علف لا يحتاج إلى ماء وسياسة تحتاج إلى أخلاق

بقلم : توفيق بو عشرين

لا يغادر الحبيب الشوباني صفحات الفيسبوك وحرب التدوينات والتدوينات المضادة إلا ليرجع إليها، وبشكل دراماتيكي أحيانا، فبعد قصة الكوبل الحكومي، التي أدت به وبها إلى مغادرة السفينة الوزارية قبل الأوان، وبعد شرائه سيارات «luxe» من ميزانية جهة فقيرة، وهو ما جر عليه انتقادات الأصدقاء قبل الأعداء، ها هو رئيس جهة الراشيدية يرجع إلى واجهة الحدث، هذه المرة من باب «200 هكتار لإنتاج العلف» طلب الحبيب كراءها من والي جهة الراشيدية، التي هو رئيسها، وذلك بمبرر تطوير مشروع فلاحي فوقها لمخترع مغربي يقيم في أمريكا حصل على براءة اختراع علف للماشية لا يحتاج إلى كميات كبيرة من الماء.
ربما يكون هذا العلف لا يحتاج إلى الكثير من الماء، لكن الموضوع كله يحتاج إلى الكثير من الحكمة والاحتياط والبعد عن الشبهات، وهي الأمور التي لم ينتبه إليها رئيس الجهة، الذي سقط بطلبه هذا في محظور تضارب المصالح، وفي شبهة خلط السياسة بالتجارة، وهي من المحرمات الأخلاقية قبل القانونية في عرف الديمقراطية.
ينفي الحبيب الشوباني تهمة استغلال النفوذ، ويقول إنه طلب كراء الأرض السلالية بثمن السوق، وإن طلبه رفض منذ ستة أشهر، وإنه لم يوظف صفته رئيس الجهة، ولا علاقاته كقيادي في الحزب، ولا وجاهته كوزير سابق لتغيير قرار الإدارة الترابية التي رفضت طلبه إقامة مشروع لتطوير العلف في الجهة لصالح المواطنين، وسربت الخبر إلى الصحافة التي تقوم بعمل تضليلي.
الإدارة الترابية ذكية إلى درجة الخبث، فلا هي منحت الحبيب الرخصة ليقيم مشروعه الفلاحي في 200 هكتار من الأراضي السلالية، ولا هي «سترته»، بل عمدت إلى إخراج طلبه إلى الصحافة قبل ستة أسابيع من انتخابات السابع من أكتوبر، التي يدخلها الحزب بشعار محاربة الفساد ومقاومة الريع، والرسالة واضحة هنا لا تحتاج إلى من يفكك شيفراتها.
وجه الاعتراض القانوني والأخلاقي على مبادرة الشوباني، كيفما كانت بواعثها أكانت تجارية أم اجتماعية، هي أنه كرئيس جهة لا يحق له أن يبيع أو يشتري أو يكتري مع الجهة التي يرأسها، أو مع الجماعات التابعة لهذه الجهة. لا يستطيع الوالي ولا الإدارة الترابية، ولا رئيس الجماعة، الذين تقع الأراضي السلالية تحت تصرفهم، أن يدرسوا طلب رئيس الجهة بالحصول على 200 هكتار من الأرض السلالية بحياد، كما يفعلون مع المواطنين جميعا، فإما أن هؤلاء جميعا سيجاملون رئيس الجهة طمعا في تعاونه معهم في ملفات أخرى تدخل في صلاحياته، وإما أن الإدارة الترابية سترفض له الطلب، وتضرب له «الطر» لأنه اقترب من الأراضي السلالية انتقاما منه، كما هو حاصل الآن، ولهذا يمنع الدستور تضارب المصالح، وتحرم الديمقراطية على السياسيين الدخول في مشاريع تجارية في مناطق نفوذهم، أو في علاقة بالدولة وأراضيها ورخصها وامتيازاتها، وحتى كبار رجال الأعمال عندما يصيرون وزراء أو رؤساء ينسحبون من إدارة شركاتهم، ويحتاطون كثيرا مخافة الوقوع في تضارب المصالح، أما أخونا الشوباني، فهو يريد أن يصير مستثمرا وفلاحا بعدما صار رئيسا للجهة.
عندما انتقدنا توقيع أخنوش مع العلمي على صفقة التأمين الفلاحي، وهما معا وزيران في حكومة واحدة، كان هذا هو المنطلق: «عدم خلط التجارة بالسياسة»، وعندما انتقدنا حصول خدام الدولة على أراضي الكلم 9 كان هذا هو المنطلق: «رفض استغلال النفوذ والالتفاف على القانون»، مع الأخذ بعين الاعتبار الفروق الكبيرة بين الحالات. لقد أسدت الداخلية معروفا كبيرا لحزب العدالة والتنمية عندما رفضت طلب الحبيب وشركائه لإقامة مشروع فوق أراضٍ سلالية، فلو وافقت الإدارة الترابية على المشروع لكان الحزب إزاء فضيحة وليس فقط محاولة… إذا كان الحبيب يريد مشروعا اجتماعيا لجهته فهو لم يكن محتاجا إلى أن يدخله كمستثمر، كان يكفي أن يقدم المساعدة لصاحب المشروع، وأن يسهل مهامه لإقامة مزارع للعلف دون دخوله شخصيا في رأسمال المشروع، فأفضل طريقة لمقاومة إغراء المال هي أن يكون الإنسان جبانا، أو زاهدا، أو واضحا فيختار إما طريق البزنس أو طريق السلطة وشرف الخدمة العمومية، أما خلط الاثنين، كما يفعل جل السياسيين وجل رجال ونساء الأعمال، فهذا يكون، بلا جدال، على حساب المصلحة العامة.
هذا التصرف «الأخرق» للوزير السابق ورئيس جهة الراشيدية خلف صدمة في صفوف حزب العدالة والتنمية، إلى درجة خروج عضو في الأمانة العامة للحزب بتدوينة تقطر ألما وحسرة، حيث كتب خالد الرحموني: «ليس لدينا الوقت والطاقة والمروءة للدفاع عن نزواتكم. ارتقوا، ولو إلى حين. إن الزهد والحكمة والوفاء والتجرد والنباهة والرقي إلى متطلبات المعركة.. تلك حظوظ النخبة الواعية المشحونة بطاقة الروح والفكرة الإصلاحية في عنفوانها الباعثة على النضال».
«خبثاء الفايسبوك» رجعوا إلى خطبة عصماء كان المقرئ أبوزيد قد ألقاها في الراشيدية قبل أشهر فقط، وصب فيها جام غضبه على كبار القوم الذين استولوا على 90 كيلومترا من أراضي الدولة وأراضي السلاليات، وأقاموا فوقها مشاريع ضخمة لإحياء زراعة تمر المجهول، «والدرويش من هؤلاء -يقول المقرئ- حصل على 500 هكتار، أما نحن فقد رضينا بثقة الشعب غنيمة. نحن نسير 15 جماعة تشرف على هذه الأراضي، وليس لنا متر واحد فيها، بل نتحمّل عبء إدارتها بالقليل القليل من الموارد، وأتحدى أن تجد عند واحد منا كريمة أو ضيعة أو أرضا أو ريعا».
هكذا تسبب الحبيب في إحراج كبير لحزبه بقصة العلف هذه على بعد أسابيع من انطلاق الحملة الانتخابية، والمطلوب الآن هو اعتذار من الحبيب واضح لا لبس ولا تعنت فيه، وموقف من الحزب لأخذ مسافة من هذه النازلة «ولو على أنفسهم»، وفتح تحقيق في كل تلك الأراضي التي تسربت تحت غطاء المخطط الأخضر إلى قائمة الريع الذي ينخر البلاد منذ سنوات طويلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علف لا يحتاج إلى ماء وسياسة تحتاج إلى أخلاق علف لا يحتاج إلى ماء وسياسة تحتاج إلى أخلاق



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:27 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 02:03 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

أجمل موديلات فساتين عروس طبقات 2020

GMT 07:33 2023 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يُصبح هداف مصر التاريخي في تصفيات كأس العالم

GMT 14:18 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

مصر ترد على وكالة "ناسا" بشأن الإعصار المتجه نحو البلاد

GMT 13:10 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

طاليب ينتقد معارضيه بعد انتصاره على الوداد

GMT 04:24 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

برنامج تجسس" يستهدف الهواتف ويسرق محتوياتها في المغرب"

GMT 19:09 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ليليان تورام يزور أكاديمية نادي الفتح الرياضي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib