أبعدوا الحيطي عن الكوب 22

أبعدوا الحيطي عن الكوب 22

المغرب اليوم -

أبعدوا الحيطي عن الكوب 22

بقلم : توفيق بو عشرين

أزمة نفايات الطليان فتحت أعيننا على ثلاث حقائق على الأقل؛ أولاها القوة الكبيرة التي يتمتع بها لوبي شركات الإسمنت بالمغرب، والذي بمقدوره أن يحول حكومة كاملة منتخبة من قبل الشعب إلى محامٍ للدفاع عن مصالح أربع شركات تحتكر وحدها هذه الصناعة المدرة للدخل الوفير (لافارج، هولسيم، إسمنت الأطلس، إسمنت تمارة، إسمنت المغرب)، فعوض أن تتحمل وزارة البيئة مسؤولية مراقبة هذه الشركات، وإجبارها على التقيد بالقانون، وعلى المحافظة على البيئة، تحولت مادام الحيطي إلى حائط قصير تقفز فوقه شركات الإسمنت إلى مزابل الطليان لاستيراد نفايات من أجل إعدامها، وليس تثمينها كما تدعي الوزيرة كذبا. فقوانين الاتحاد الأوروبي تمنع تصدير النفايات من أجل إعدامها إلى الدول النامية، لأن هذه الأخيرة لا تتوفر على الإمكانات التي تسمح باستغلالها وفق قاعدة أخف الضررين، وكل ما تسمح به قوانين الاتحاد الأوروبي هو تصدير النفايات القابلة للتثمين، أي تلك النفايات المستعملة في توليد الطاقة وليس في شيء آخر.
مع هذه الأزمة اكتشفنا سر ارتفاع أرباح الشركات الأربع التي تحتكر سوق الإسمنت في المغرب، والتي توفر “السيما” للأوراش الكبرى والصغرى، واكتشفنا أن هذه الشركات تستطيع أن توقع اتفاقية سرية مع وزارة البيئة من أجل استيراد النفايات، وأن تضمن ألا حد بمقدوره أن يطلع على محتواها، وما إذا كان متوافقا مع القانون أم لا. أكثر من هذا، اكتشفنا أن المرسوم الذي أعدته حكومة الفاسي ووقعته حكومة بنكيران طرد وزارتي الداخلية والتجارة والصناعة من مراقبة استيراد النفايات من الخارج، وذلك للالتفاف على المراقبة الفعلية التي تتوفر لوزارة الداخلية ولعمالها وولاتها، وإعطاء هذه المهمة الحساسة لوزارة صغيرة مثل البيئة، لا تتوفر على الإمكانات الحقيقية للمراقبة، لا تقنيا ولا بشريا… زد على ذلك أن المرسوم الجديد يخلط عمدا بين التثمين والإعدام، وبالتالي، يسمح باستيراد مثل هذه النفايات من بلدان أخرى، عوض أن يجبر هذه الشركات على الاستثمار في المطارح المغربية واستعمال النفايات المغربية، ولهذا، فإن السيد محمد الشعيبي، رئيس “أصحاب السيما”، باعتباره أحد الملوثين الكبار للبيئة، امتلك الشجاعة لإعطاء دروس حول الحفاظ على البيئة في الندوة الصحافية للوزيرة الحيطي يوم أمس، وكيف لا؟ هو رئيس شركة إسمنت المغرب، التابعة للشركة الإيطالية Italcementi، التي تتمتع بسمعة سيئة في إيطاليا، وسبق التحقيق مع رئيسها، كارلو بيسانتي، من قبل وحدة مكافحة المافيا في إيطاليا.
الاكتشاف الثاني الذي ربحناه من أزمة “طلعت ريحة نفاياتكم”، هو أن أضعف مؤسسة في المغرب هي الإدارة، وخاصة أمام الحيتان الكبيرة، وأن الإدارة لا تستأسد إلا على المواطنين البسطاء والضعاف، أما أمام الديناصورات، فتصبح الإدارة أرنبا أليفا. إليكم أحد مظاهر الضعف والاستخفاف بالقانون، والضحك على الذقون.
سألنا، في عدد نهاية الأسبوع الماضي من هذه الجريدة، السيد فواد الزيادي، مدير المراقبة والتقييم البيئي بالوزارة: “هل راقبتم 250 ألف طن من النفايات الإيطالية في ميناء الجرف الأصفر قبل خروجها؟”، فكان رده بالحرف: “لا، لقد قمنا بالمراقبة بعد نقل الشحنة إلى مقر شركة لافارج، فقد انتقلت وحدة من الشرطة البيئية التابعة للوزارة إلى مخازن لافارج، وأخذت عينة من النفايات وأرسلتها إلى مختبر معتمد من فرنسا”.
هل يعقل أن يصل العجز والهوان والاستخفاف بالسلطات العمومية إلى هذه الدرجة؟ أن تسمح بخروج نفايات من الميناء قبل أن تتأكد من سلامتها ومطابقتها للشروط القانونية؟ وما الذي يضمن للشرطة البيئية أن العينة التي أخذتها من مخازن لافارج عينة تابعة لنفايات إيطاليا وليس لغيرها؟ ثم كيف تكون المراقبة بعدية وليست قبلية لمواد خطرة ومضرة بالصحة؟ كيف يعقل أن تراقب السلطات العمومية الأطعمة التي تدخل إلى المغرب في الموانئ، فيما النفايات تراقب في محلات أصحابها وبعد أن يخزنوها ويتصرفوا فيها؟
أما الاكتشاف الثالث الذي عثرنا عليه مع هذه الأزمة التي “فعفعت” الرأي العام، فهو نوعية الوزراء الذين تبرعت بهم الحركة الشعبية على هذه الحكومة وعلى هذا الشعب، فكل وزير ينسيك في الآخر، من وزير الكراطا، إلى وزير الشوكولاطا، إلى وزير السفنج الذي برأ برلسكوني من شرف روبي، إلى حكيمة الحيطي التي لو خصصت ساعة واحدة من الوقت الذي تصرفه على الاعتناء بجمالها للاعتناء بجمال البلاد لما تورطت في هذه الفضيحة، ولما حملت الكراطة لتنظيف وجه صفقة مشبوهة، وبطريقة بليدة جدا، لكن مع كل الزلات التي وقعت فيها وزيرتنا في إدارة هذه الأزمة، فإن كلامها يليق سيناريو لسيتكوم رمضاني مقبل، حيث قالت: “إننا نشترط عدة وثائق على الشركات التي تستورد هذه النفايات، ومنها وثائق عن خلو هذه النفايات من آثار بصمات المافيات”، وكأن هناك قسما في بلدية روما يعطي الأفراد والشركات وثائق البراءة من نشاط المافيا.. هذا اسمه “الطنز” السيدة الوزيرة.
بنكيران إلى حد الآن يلتزم الصمت، وهو يعرف “خروب” وزراء حكومته، لكن هذا غير كاف، لا بد من التحرك لإطفاء الغضب الشعبي، وإرجاع النفايات إلى بلدها، وإلغاء المرسوم الذي وقعه دون دراسة ولا تشاور، وإلغاء الاتفاقية التي وقعتها الحيطي مع حيتان الإسمنت التي تسعى إلى رفع أرباحها وزيادة رقم معاملاتها، ولا تهمها في شيء البيئة وآثار التلوث المدمرة. لماذا لا يصنع بنكيران مع الحيطي ما صنعه القصر الملكي مع الوزير السابق في الرياضة، محمد أوزين الذي أبعد عن تنظيم كأس العالم للأندية… الحيطي لا تصلح لأن تظل قريبة من الكوب22 لأنها أثبتت أنها تدافع عن التلوث وليس عن البيئة، وأن آخر همها هو نظافة الهواء الذي نستنشقه. منع الحيطي من الاقتراب من أكبر تظاهرة عالمية للبيئة هو أضعف الإيمان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبعدوا الحيطي عن الكوب 22 أبعدوا الحيطي عن الكوب 22



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:27 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 02:03 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

أجمل موديلات فساتين عروس طبقات 2020

GMT 07:33 2023 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يُصبح هداف مصر التاريخي في تصفيات كأس العالم

GMT 14:18 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

مصر ترد على وكالة "ناسا" بشأن الإعصار المتجه نحو البلاد

GMT 13:10 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

طاليب ينتقد معارضيه بعد انتصاره على الوداد

GMT 04:24 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

برنامج تجسس" يستهدف الهواتف ويسرق محتوياتها في المغرب"

GMT 19:09 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ليليان تورام يزور أكاديمية نادي الفتح الرياضي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib