إنها الحرب

إنها الحرب

المغرب اليوم -

إنها الحرب

توفيق بوعشرين

المملكة المغربية ما عادت واحة للدبلوماسية العربية، ولا خيطا أبيض فقط للتقريب بين أطراف الصراعات العربية الكثيرة. المغرب صار دولة محاربة في الشرق الأوسط ولو بشكل رمزي، ففي ظرف أقل من سنة دخل المغرب حربين؛ الأولى ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، ضمن القوات الإماراتية المشاركة في الحرب ضد داعش، ودخل حربا ثانية أول أمس ضمن القوات السعودية التي بدأت غارات جوية واسعة على معاقل الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح، المتحالف مع أنصار الله، الذراع السياسي للحوثيين.

ضمن 200 طائرة قصفت أول أمس الأربعاء مطارات مدنية وعسكرية ومخازن للسلاح ومقرات الحوثيين، كانت هناك ست طائرات مغربية من طراز f16 تحلق في الأجواء اليمنية، وتبعها بلاغ للخارجية يعلن وقوف المغرب القوي خلف المملكة السعودية دفاعا عن الحرمين الشريفين وعن وحدة اليمن واستقراره.

اليمن، الذي لا يملك من السعادة إلا الحروف التي تكتب بها كلمة «سعيد» مقرونة باسمه، بلد معقد كثيرا، والصراع فيه بين الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية صراع قديم، لكن الجديد هذه المرة أن عشر دول تدخله مرة واحدة لتنافس إيران عليه.. إيران التي استثمرت في اليمن ولبنان وسوريا والعراق وفلسطين والبحرين، والآن تجني ثمار هذه الاستثمارات بعيدة المدى، فيما ظل العرب يراقبون الوضع من بعيد إلى أن وقع الفأس في الرأس، ووجدت السعودية أنها شبه محاصرة بين فكي داعش والحوثي، وكلاهما يشكلان خطرا على أمنها وعلى مكانتها الإقليمية التي اهتزت كثيرا في السنوات الأخيرة…

هي حرب إذن، ودون قرار من مجلس الأمن، والحرب ليست لعبة.. إنها دماء ودمار ومآسٍ ولاجئون وخسائر معنوية ومادية، والأمر الأكثر تعقيدا أن دخول الحرب سهل لكن الخروج منها صعب، لهذا يوصي الخبراء العسكريون قادتهم بالتفكير مرة واحدة في دخول الحرب، والتفكير عشر مرات في طريقة الخروج منها، ومن ذلك أن الداخل إلى الحرب عليه أن يضع أهدافا قابلة للتحقيق، وأن يتوفر على الوسائل الضرورية لتحقيق هذا الهدف، وأن يجري حسابات دقيقة قبل فوات الأوان. لقد سبق لعبد الناصر أن تورط في حرب اليمن وخسر هناك من الجنود أكثر مما خسره في حروبه مع إسرائيل.

فما هي أهداف عملية عاصفة الحزم التي دخلتها السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر والأردن ومصر والسودان وباكستان، ثم المغرب؟ عشر دول كلها تقصف تنظيما مسلحا من الجو من أجل ردعه. لم يقل البيان العسكري الأول إن الهدف هو القضاء عليه بل قال ردعه، وهي كلمة عامة يمكن وضع أي هدف تحتها، إذا دعت الضرورة، للخروج من هذه الحرب بسرعة مخافة التورط في مستنقعها طويلا، خصوصا أن الحروب، كل الحروب، لا تحسم من الجو، بل لا بد من قوات على الأرض لحسم المعركة وتغيير الحقائق على الميدان، وفك الحصار عن المدن الكبرى التي سقطت في يد الحوثي مدعوماً من قبل الجناح الموالي لصالح في الجيش ومؤسسات الدولة التي انهارت…

الأمم المتحدة صدمت بإعلان الحرب المفاجئ، ومبعوثها إلى اليمن، المغربي جمال بنعمر، سيضطر إلى أخذ عطلة اضطرارية إلى أن تضع الحرب أوزارها، وإلى الآن لا وجود لسيناريو متفائل في الأفق. كل التكهنات تقول إن الحرب ستضعف الحوثي لكنها لن تقوي اليمن، والحرب ستبعث رسالة قوية إلى إيران لكنها لن تحل معضلة الدولة الفاشلة في اليمن. إذن، المعركة في اليمن تغطي حربا بين الرياض وطهران حول النفوذ الإقليمي، وحول المفاوضات على النووي.

إن تشكيل حلف عربي إسلامي من عشر دول (تحدثنا عنه هنا قبل أسبوعين بمناسبة زيارة الملك الأردني عبد الله بن الحسين إلى المغرب، وقلنا إنه جاء لإقناع الملك بضرورة انضمام المغرب إلى هذا الحلف العسكري الإسلامي الذي ستوكل إليه مهام عسكرية مباشرة، وإن دوله ستعتمد على نفسها ومقدراتها لخوض حروبها ضد أعدائها مادام الرئيس الأمريكي أوباما اعتنق مذهب السيد المسيح -انظر افتتاحية «أخبار اليوم» 12/3/2015 تحت عنوان ماذا يوجد في حقيبة ملك الأردن)، وضم باكستان إلى الحلف العسكري الجديد، وهي القوة النووية التي تدين للرياض بتمويل مشروعها النووي قبل سنوات طويلة، له أكثر من رسالة إلى إيران أولا، وإلى أمريكا ثانيا…

طبعا حكومتنا لا تقول للرأي العام شيئا عن كل هذه الرهانات المعقدة، ومؤسسة الجيش بدون لسان وتترك للخارجية المكلفة بالدبلوماسية أن تصدر بلاغات عامة تحتاج إلى «ديكودور» لفك شفراتها، وعلى من يريد أن يعرف أية معلومة عن جيش بلده أن يتوجه إلى مصادر خارجية، وأن يبحث بين غابة المواقع والقنوات التلفزية والوكالات الأجنبية والصحف العالمية عن خبر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنها الحرب إنها الحرب



GMT 19:06 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ما بدأ في غزة… انتهى في داخل إيران

GMT 19:04 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الدمار والتدمير

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

تحليل الحروب على طريقة الأهلى والزمالك!

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الأهمّ هو بقاء النظام وليس بقاء النووي

GMT 18:50 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

GMT 18:49 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

إيران وأحصنة طروادة

GMT 18:48 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

دول الخليج ورسائل الوسطية

GMT 18:47 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

طبقية في زمن الحرب!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 21:53 2025 الخميس ,03 إبريل / نيسان

أداة سحرية لنسخ أي نص من شاشة جهاز ماك بسهولة

GMT 21:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

"إنستغرام" تختبر خاصية "الريلز" المقفلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib