الضباب الذي يخفي الحقائق

الضباب الذي يخفي الحقائق

المغرب اليوم -

الضباب الذي يخفي الحقائق

توفيق بوعشرين

السلطات المغربية تطرد مبعوثي أمنيستي الدولية من المملكة، وتعلن أنهما شخصان يهددان الأمن العام لأنهما يجريان بحثا عن حقوق الإنسان في صفوف المهاجرين الأفارقة. فيصل العرايشي ينقل حفل ستربتيز فاضح على شاشة القناة الثانية فيغضب الجمهور، وتصاب الحكومة الملتحية بالحرج الشديد، ثم لا يجد رئيس الحكومة والمسؤول الأول عن الإدارة سوى كتابة رسالة إلى الهاكا، والانضمام إلى جوقة المحتجين. البرلماني أفتاتي يزور منطقة محاذية للشريط الأمني على الحدود الشرقية مع الجزائر، فتعمد الأمانة العامة لحزب المصباح إلى معاقبته وتوقيفه عن العمل كأي عامل مياوم في مصنع للآجر، أما السيد المحرشي، عضو المكتب السياسي للأصالة والمعاصرة، فيوزع الاتهامات بالرشوة واستغلال النفوذ والفساد على الدرك ورجال السلطة في الشاون ولا يتحدث معه أحد، ولأنه برلماني من الدرجة الأولى ولا يخشى شيئا، فقد حرض سكان الشاون والمناطق الجبلية على الاستمرار في زراعة الكيف لأن الحكومة في الرباط لا تتحمل مسؤوليتها في مد الطرق ورعاية الفقراء في البوادي، ومن الآن فصاعدا كل منطقة لا تستفيد من ثمار التنمية عليها أن تزرع الكيف أو تقطع الطريق، ولمَ لا تؤسس مليشيات لأخذ حقها بيدها؟ بنكيران يقول بصراحة ودون لف ولا دوران: «أنا مجرد رئيس حكومة ولست أنا من يحكم في المغرب». المعارضة عوض أن تقوي الطابع البرلماني لنظامنا السياسي وتحرج الحكومة التي أعادت كتابة الدستور الجديد على مقاس توافقاتها مع السلطة وبمداد التطبيع مع القصر هي نفسها -المعارضة- تضعف مؤسسة رئاسة الحكومة، وتحول رئيسها إلى تلميذ تشتكيه إلى مدير المؤسسة، فتبعث طلبا لقطع لسان بنكيران إلى القصر، في الوقت الذي يحاول فيه الزعيم الإسلامي أن يعوض الفعل بالخطابة والقرار بالكلام، وحتى هذا الكلام يستكثرونه عليه، ويريدون للبلاد أن ترجع إلى سنة 2009، حيث كان حزب الدولة وحده يتحدث ويقرر ويسجن ويعاقب ويفصل الخرائط على هواه…

جل التقارير الدولية المهتمة بحقوق الإنسان وحرية الصحافة، وتأسيس الجمعيات ومحاربة الفساد، وبدولة القانون، وإصلاح العدالة والتعددية والانفتاح السياسي، وحرية المبادرة، مازالت كما كانت قبل عهد هذه الحكومة، ترسم صورا سوداء للمملكة السعيدة التي عرفت دستورا جديدا، وحراكا شبابيا غير مسبوق، وانتخابات مفتوحة، وحكومة صعدت على ظهر شعار: «صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد».
ماذا تعني هذه العناوين السريعة من أخبار المملكة المغربية؟

تعني شيئا واحدا.. أننا بلاد رجعت إلى ما قبل 2011، وأن ثمن استمرار حكومة بنكيران إلى اليوم هو التضحية بالدستور الجديد والحراك الشبابي ووعود التغيير، وأننا بلاد لم تضع رجلها بعد على سكة التحول الديمقراطي رغم وجود استقرار اجتماعي، وتحسن في المؤشرات الاقتصادية، ورغم وجود حكومة تتمتع بثقة شعبية لا بأس بها، ورغم وجود حراك سياسي ينشطه رئيس الحكومة الذي يتمتع بحاسة تواصلية كبيرة، وحساسية تجاه أوضاع الفقراء، ونظافة يد يشهد له بها الخصوم قبل الأنصار، لكن كل هذا لا يصنع وصفة لتحول المغرب من بلد سلطوي، مهدد دائماً بالاضطرابات الناتجة عن فقر الممارسة الديمقراطية في دماء السياسة المغربية، إلى بلد يتمتع بالعضوية الكاملة في نادي الديمقراطيات الناشئة.

هل هذه قراءة تشاؤمية للوضع القائم في المغرب اليوم؟ هل يحرك هذه الأسئلة مطلب طوباوي في تحول ديمقراطي سريع لا يراعي الخصوصية المغربية والظروف الإقليمية التي لا يصب أي منها في صالح التغيير في العالم العربي؟ هل يتوفر بنكيران على استراتيجية للدفاع عن التحول الديمقراطي الثاني بعد فشل الأول مع عبد الرحمان اليوسفي، وأنه ينتظر الولاية الثانية ليمر من الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي إلى الإصلاح السياسي العميق للدولة؟ ألم يضيع بنكيران فرصا حقيقية لمأسسة القرار في البلاد وإخراجه من الطابع الفردي؟ هل يتصور بنكيران أن حصيلته ستكون اقتصادية واجتماعية فقط سنة 2016، وأن الطبقة الوسطى التي صوتت له لن تحاسبه على الحصيلة السياسية والحقوقية والإعلامية والأمنية والقضائية التي لم يطرأ عليها أي تغيير في عهده وعهد حكومته؟ هل المغاربة الذين أعطوا صوتهم للعدالة والتنمية فعلوا ذلك من أجل إصلاح صندوق المقاصة، وزيادة 200 درهم في منحة الطلبة، وتخصيص إعانة رمزية للمطلقات والأرامل، وتخفيض ثمن بعض الأدوية، وتنشيط جلسات البرلمان بقفشات بنكيران وضحكاته الصاخبة؟ ألم تعطه الطبقة الوسطى أصواتها لأنه وعدها بالتغيير، ولأنه أخذ مطالب 20 فبراير وتبناها، وقال للشباب ما معناه: «أنا أضمن لكم تحقيق هذه المطالب دون المخاطرة بالنظام والاستقرار، وإنني سأنقل هذه المطالب من الشارع إلى المؤسسات، ومن التظاهرات إلى الحكومة والبرلمان والسياسات العمومية. ثقوا بي.. نظامكم قابل للإصلاح، وإن مشكلة البلاد العويصة هي أن الذي كان يريد الإصلاح لم يكن ملكيا، وإن من كان ملكيا لم يكن إصلاحيا، وأنا أجمع بين الاثنين، وسترون مفعول هذا الحل التاريخي»؟

هذه هي الأسئلة الغائبة اليوم عن طاولة النقاش السياسي لمستقبل بلد وأمة وتجربة معرضة للفشل بعد كل الآمال التي علقت عليها، بعيدا عن التهريج السياسي والإعلامي الذي يملأ الفضاء بالثرثرة والبولميك الفارغ، والضباب الذي يخفي الحقائق والمؤامرات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الضباب الذي يخفي الحقائق الضباب الذي يخفي الحقائق



GMT 19:06 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ما بدأ في غزة… انتهى في داخل إيران

GMT 19:04 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الدمار والتدمير

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

تحليل الحروب على طريقة الأهلى والزمالك!

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الأهمّ هو بقاء النظام وليس بقاء النووي

GMT 18:50 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

GMT 18:49 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

إيران وأحصنة طروادة

GMT 18:48 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

دول الخليج ورسائل الوسطية

GMT 18:47 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

طبقية في زمن الحرب!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 21:53 2025 الخميس ,03 إبريل / نيسان

أداة سحرية لنسخ أي نص من شاشة جهاز ماك بسهولة

GMT 21:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

"إنستغرام" تختبر خاصية "الريلز" المقفلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib