وصية باها التي لم يكتبها

وصية باها التي لم يكتبها

المغرب اليوم -

وصية باها التي لم يكتبها

توفيق بو عشرين

لو قدر للراحل عبد الله باها أن يكتب وصيته الأخيرة قبل أن يلتحق بربه، فماذا عساه يقول فيها؟ لا نريد أن نتحدث باسم الموتى وهم في رحاب الله، لكن حياة الرجل العمومي كما وفاته ليست شأنا خاصا، بل هي أمر عام وهذا ما يهمنا هنا بعد الترحم على الراحل وتأبينه…

لو حمل باها القلم وسطر وصيته الأخيرة فأظن أنه سيقول لعبد الإله بنكيران وحزب العدالة والتنمية وللمغاربة ما معناه:

«أيها الأحبة، جازاكم الله خيرا، وتقبل مسعاكم وأنتم تحجون بالآلاف من كل فج عميق إلى مقبرة الشهداء لوداعي فكل نفس ذائقة الموت، أعرف حجم الحزن الذي استقر في نفوسكم لرحيلي، لكنها إرادة الله ولا راد لقدره…

أخي ومهجة روحي السي عبد الإله، لقد تركتك وحيدا بعد رفقة دامت 40 عاما، تقاسمنا فيها الحلو والمر، وكنت توأم روحي، وكنت أخاك الذي لم تلده أمك، لكن البقاء لله. لا تجعل من حادثة وفاتي صدمة كبيرة تنسيك المشروع الذي اجتمعنا عليه، وضحينا من أجله. نحن شموع في هذه الدنيا تذوب من أجل أن تنير الطريق للبلاد وللإصلاح وللأمة وللحق وللعدل، هذا هو المهم.. الباقي تفاصيل صغيرة مهما بدت كبيرة ومفجعة…

أعرف مقدار محبتك لي، وأعرف وقع صدمة رحيلي عليك وعلى أسرتي وحزبي وكل من عرفني أو لم يعرفني، وأعرف أنني كنت مستشارك الأول، ورفيق حياتك، وكاتم أسرارك، وناصحك الأمين، وأنك ما كنت تقطع برأي دون الرجوع إلي، وأعرف أن حياتنا صارت منذ عقود حياة واحدة، ومصيرنا واحد، وطعامنا واحد، وهمومنا واحدة… لكن الحياة تفرق، والموت يفرق، وللقدر الكلمة الأولى والأخيرة، لكن وفاة شخص، أي شخص، لا تعني وفاة القيم والمبادئ والمثل والنهج الذي تربينا عليه، ونذرنا حياتنا ووقتنا وراحتنا وعائلاتنا له ومن أجله.

… سر وإخوانك على نفس الطريق.. طريق الإصلاح الهادئ والناعم، طريق التغيير في ظل الاستقرار، طريق الاعتدال في السياسة، والتشدد في النزاهة ونظافة اليد، طريق بالتي هي أحسن حتى يغلب خيرك شرهم، ووفاؤك غدرهم، ومحبتك بغضهم، واعتدالك تطرفهم، وحسن نيتك سوء نيتهم. الشعب الطيب أمامك يفهمك جيدا، وسيبقى قريبا منك مادمت قريبا منه ومن همومه ومشاغله ومشاعره…

 اقفز أخي بنكيران فوق الحفر الكثيرة التي تجدها أمامك بالحكمة والموعظة والصبر وقراءة التاريخ، اترك يدك ممدودة لخصومك، واترك أمامهم الوقت والفرصة ليصححوا أخطاءهم، لا تحشرهم في الزوايا الضيقة فتأخذهم العزة بالإثم، اترك ميزان الذهب دائماً أمامك لتزن به السيئ والأسوأ، ففي السياسة للأسف لا نزن دائماً بين الخير والشر بل نجد أمامنا قرارات فيها السيئ والأسوأ وعليك أن تفاضل بينهما في وقت وجيز وفي ظروف صعبة وإكراهات عديدة. هنا تنبع الحكمة، وهنا تعرف رجاحة العقل وذكاء القرار…

كنت دائماً أقول لكم و لنفسي إن الإصلاح عملية معقدة، وإننا قبل أن نشرع في الإصلاح علينا أن نعرف الفساد وأسبابه ومسبباته، وأن نفحص أدوات الإصلاح وما إذا كانت مناسبة أم لا، صالحة للزمان والمكان أم لا. الحماس مطلوب لكن التريث ضروري…

لقد عشت حياتي القصيرة بينكم أبحث معكم وبكم عن خيوط كثيرة لنسج التوافقات الكبرى وسط الحركة الإسلامية أولا، ووسط الساحة السياسية ثانيا، وفي العلاقة مع القصر ثالثا، لم يخب ظني، ولا خسر مسعاي، وها أنتم اليوم القوة الأولى في البلاد، لكن المهمة مازالت طويلة، الآتي أصعب، والربيع تحول إلى خريف، وقوى الشر في الداخل والخارج كشرت عن أنيابها، فالإنسان قد ينجح في مرحلة الاستضعاف لكنه يفشل في مرحلة القوة والتمكين. بلادنا محتاجة إلى الاستقرار والإصلاح، وإلى التوافق والتغيير، إلى الهدوء والحركة، إلى تجديد النخب وحفظ الذاكرة، إلى تطبيق الدستور ومراعاة المراحل الانتقالية، إلى المصالحة والحقيقة، إلى العدالة والتسامح…

أعرف أن الكثيرين منا ومنهم لا يرون إمكانية نجاح هذه الازدواجية وهذا التوازن، ولا يؤمنون إلا بالأبيض أو الأسود.. من يريد الاستقرار لا يعبأ بالإصلاح، ومن يريد المصالحة لا يقيم وزنا للعدالة، ومن يعتمد البراغماتية لا يلتفت إلى المبادئ، ومن يسعى إلى التوافق ينسى الهدف من التوافق…

هذا العبد الضعيف الذي يوجد الآن بين يدي ربه يزعم أن هناك طريقا ثالثا للتحول الديمقراطي العميق في المملكة، وهذا الطريق بدأت معكم رسم ملامحه وبقي أمامكم إكمال المهمة، فلا تدعوا أي شيء يلهيكم عنها أو يقعدكم عنها أو يشوش عليكم لبلوغها كائنا من كان… ولله الأمر من قبل ومن بعد».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وصية باها التي لم يكتبها وصية باها التي لم يكتبها



GMT 19:06 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ما بدأ في غزة… انتهى في داخل إيران

GMT 19:04 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الدمار والتدمير

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

تحليل الحروب على طريقة الأهلى والزمالك!

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الأهمّ هو بقاء النظام وليس بقاء النووي

GMT 18:50 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

GMT 18:49 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

إيران وأحصنة طروادة

GMT 18:48 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

دول الخليج ورسائل الوسطية

GMT 18:47 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

طبقية في زمن الحرب!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 21:53 2025 الخميس ,03 إبريل / نيسان

أداة سحرية لنسخ أي نص من شاشة جهاز ماك بسهولة

GMT 21:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

"إنستغرام" تختبر خاصية "الريلز" المقفلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib