أن تعرف كيف تخسر…

أن تعرف كيف تخسر…

المغرب اليوم -

أن تعرف كيف تخسر…

بقلم - خيرالله خيرالله

الدول المقاطعة مستعدة، إلى إشعار آخر، للذهاب بعيدا في المواجهة مع قطر وذلك مهما طال الزمن. الأهم من ذلك كله أن الدول الأربع غير مستعدة للرضوخ لضغوط أميركية.

أن تعرف كيف تخسر في السياسة أهمّ بكثير من أن تعرف كيف تربح. من يعرف أن يخسر إنّما يتعلّم من تجاربه ويهيّئ نفسه ليوم يستطيع فيه أن يربح.. فيربح نفسه أوّلا. باختصار شديد، الذكاء في أن تعرف كيف تخسر أكثر بكثير ممّا أن تعرف كيف تربح. أن تعرف كيف تخسر يتطلب قبل كلّ شيء ذكاء شديدا وتواضعا، فضلا عن اعتراف بالواقع والتصالح معه بعيدا عن المكابرة قبل أيّ شيء آخر.

مناسبة هذا الكلام أن الأزمة الخليجية مع قطر طالت أكثر مما يجب وهي مرشّحة لأن تطول أكثر. خلاصة الكلام، وذلك من باب الحرص على قطر كدولة عربية خليجية لديها دور تستطيع لعبه في مجال تطوير المجتمعات الخليجية بدل إغراقها في التفاهات والمزايدات والشعارات المزيّفة والطنّانة، أن ليس في استطاعة قطر أن تخرج رابحة من المعركة التي تخوضها مع الدول الأربع التي اتخذت قرارا بمقاطعتها في الخامس من حزيران – يونيو الماضي، أي قبل ما يزيد على شهرين.

من هنا، يفترض في قطر اتخاذ موقف يأخذ في الاعتبار الواقع القائم والمتمثل في أنّ الدول المقاطعة مستعدة، إلى إشعار آخر، للذهاب بعيدا في المواجهة معها وذلك مهما طال الزمن.

الأهمّ من ذلك كلّه أن الدول الأربع غير مستعدة للرضوخ لضغوط أميركية. الدليل على ذلك، أن السعودية والإمارات العربية المتحدة تحدتا الولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما وقررتا دعم عملية التخلص من نظام الإخوان المسلمين الذي كان على رأسه، من الناحية الشكلية، رئيس من النوع المضحك المبكي اسمه محمّد مرسي. تحدت السعودية والإمارات أميركا في العام 2013 ودعمتا الانتفاضة الشعبية التي أدت إلى التخلص من نظام الإخوان المسلمين وتخلّفهم.

قبل ذلك، في العام 2011، تدخلت السعودية عسكريا في البحرين عندما شعرت أنّ أمنها بات مهدّدا من إيران والأدوات التي استخدمتها للتخلص من النظام في تلك المملكة الصغيرة.


اللعبة التي لم تقرأ لها الدوحة حسابا
بعيدا عن المطالب الـ13 التي ثمّة من يقول إن عددها تقلّص إلى ستّة، الموضوع موضوع سياسي أوّلا وأخيرا. يمكن اختزاله بسؤال واحد هل في استطاعة قطر أن تكون على موجة واحدة مع الدول الأخرى في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، علما أن حق الاختلاف في شأن مواضيع معيّنة مفهوم ومبرّر وهو جزء لا يتجزّأ من تركيبة المجلس الذي تأسّس في أبوظبي في العام 1981.

لعب المجلس دورا لا يستهان به في توفير مظلّة حماية للدول الست الأعضاء فيه إبان الحرب العراقية-الإيرانية ثم في مرحلة ما بعد احتلال العراق للكويت في العام 1990.

من يريد البحث عن التمايز الذي كان قائما داخل المجلس منذ ولادته، يستطيع العودة إلى مواقف سلطنة عُمان وإلى مواقف كويتية معيّنة في مرحلة ما. اعترضت الكويت في إحدى المراحل على الاتفاقية الأمنية التي كانت تلحظ حقّ الملاحقة من دولة لمطلوبين موجودين في داخل أراضي دولة أخرى من دول المجلس.

كان التمايز العُماني والكويتي شيئا والدور الذي لعبته قطر منذ خلافة الشيخ حمد بن خليفة لوالده في منتصف العام 1995 شيئا آخر.

باشرت قطر بعد 1995 بممارسة سياسة ذات طابع هجومي مستغلة كلّ الثغرات التي كانت موجودة في السعودية خصوصا والتي كان أفضل تعبير عنها السياسة التي اتبعتها المملكة أثناء حرب اليمن صيف 1994 وهي تسمّى “حرب الانفصال” ثم الانكفاء عن هذا البلد بعد انتهاء تلك الحرب وانتصار علي عبدالله صالح والذين وقفوا معه، من مجموعات إسلامية.

لعبت قطر دورا محوريا على الصعيد الإقليمي معتمدة على استضافة قاعدة العديد الأميركية وغياب أيّ عقدة تجاه إسرائيل في الوقت ذاته. صارت قطر في عهد الشيخ حمد بن خليفة، وإلى جانبه الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، لاعبا أساسيا في كلّ مكان. من اليمن إلى ليبيا معمّر القذافي.. إلى لبنان وفلسطين، مرورا بطبيعة الحال بسوريا ومصر وحتّى الجزائر. استطاعت قطر إدارة لعبة في غاية التعقيد كان من أبرز أدواتها فيها قناة “الجزيرة” والإخوان المسلمون الذين شكلوا، بفضل تنظيمهم العالمي، أفضل جهاز استخبارات في المنطقة وما يتجاوز المنطقة.

إضافة إلى ذلك، عرفت قطر كيف تقيم علاقة مع إيران تخدم أهدافها وتوحي في الوقت ذاته للإيرانيين بأنّهم قادرون على اختراق مجلس التعاون لدول الخليج العربية وأن يكون لهم صوت داخله.

ألم يحضر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد القمة الخليجية التي انعقدت في الدوحة في العام 2007 حيث سمح له بإلقاء كلمة توجيهية عصماء روّج فيها للسياحة الخليجية في إيران؟!

جمعت قطر بين إقامة فروع لأفضل الجامعات الأميركية في أراضيها من جهة والعلاقات القوية العميقة مع التخلّف الذي يمثله الإخوان المسلمون و”حماس” و”طالبان” من جهة أخرى. كانت “الجزيرة” التي زارها شمعون بيريس على بعد كيلومترات قليلة من قاعدة العديد. وكانت في الوقت ذاته منبرا لأسامة بن لادن رمز الإرهاب العالمي.

جمعت قطر بين كلّ التناقضات في لعبة لم تحسب حساب أنّها لا بدّ من أن تنتهي يوما. كان في استطاعتها إعادة تأهيل بشّار الأسد وأخذه إلى فرنسا ليكون ضيفا في احتفالات العيد الوطني.

كان ذلك في مرحلة الغضب السعودي عليه إثر ضلوعه، بطريقة أو بأخرى، في جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه. كان الرئيس نيكولا ساركوزي في جيب قطر وكان مهمّا أن تكون هناك سياسة قطرية تقوم على قصقصة أجنحة السعودية.

تغيّرت الصورة الآن. هذا لا يعود إلى أن اللعبة القطرية صارت مكشوفة. الحقيقة أن اللعبة انكشفت تماما في 2013 و2014. الجديد الآن أمران.

أولهما أن ليس في قطر من هو قادر على إدارة اللعبة المعقّدة والآخر أنّ في السعودية قيادة مختلفة لم تعد مستعدة لمساومات من أيّ نوع. هذه القيادة تعرف تماما معنى أن تتصدى قطر للمملكة مستخدمة قدراتها المالية حتّى في دعم “حزب الله” لدى خوضه صيف العام 2006 حربا افتعلها مع إسرائيل كان من بين أهدافها تحقيق انتصار على لبنان واللبنانيين وتغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري.. وتوجيه الشتائم إلى زعماء الخليج.

لا شراء أسلحة أميركية أو إيطالية أو لاعب مثل البرازيلي نيمار وضمّه إلى فريق فرنسي معروف من يملكه يخدم قطر. هناك معطيات جديدة مختلفة لا مفرّ من التعاطي والتكيّف معها، إضافة بالطبع إلى الاعتراف أن المسألة ليست مسألة علاقات عامة في واشنطن وغير واشنطن والاعتقاد أن في الإمكان تهديد الخليجيين ومصر وتخويفهم عن طريق تركيا وإيران..

بعض التواضع أكثر من ضروري في هذه المرحلة. هناك شيء انتهى. هناك أيّام مضت لم يعد فيها مكان لهامش كبير للمناورة تملكه قطر. كانت استعادة مصر من الإخوان المسلمين في منتصف العام 2013 نقطة تحوّل على الصعيد الإقليمي وذلك بغض النظر عمّا إذا كان في الإمكان إنقاذ مصر كدولة تعاني من مشاكل ضخمة في المدى الطويل.

يظلّ السؤال في النهاية، هل تستطيع قطر أن تكون دولة طبيعية تفرّق بين الممكن والمستحيل أم لا؟ هل تستطيع تحويل خسارتها إلى ربح بعيدا عن المكابرة من نوع القدرة على استضافة دورة كأس العالم في صيف العام 2022 وتجاهل أن كلّ شيء يمكن تغييره في العالم باستثناء الصيف الخليجي الحار؟

بعض التواضع ضروري بين حين وآخر..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أن تعرف كيف تخسر… أن تعرف كيف تخسر…



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته
المغرب اليوم - توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته

GMT 18:27 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 02:03 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

أجمل موديلات فساتين عروس طبقات 2020

GMT 07:33 2023 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يُصبح هداف مصر التاريخي في تصفيات كأس العالم

GMT 14:18 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

مصر ترد على وكالة "ناسا" بشأن الإعصار المتجه نحو البلاد

GMT 13:10 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

طاليب ينتقد معارضيه بعد انتصاره على الوداد

GMT 04:24 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

برنامج تجسس" يستهدف الهواتف ويسرق محتوياتها في المغرب"

GMT 19:09 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ليليان تورام يزور أكاديمية نادي الفتح الرياضي

GMT 22:36 2016 الثلاثاء ,15 آذار/ مارس

10 نصائح للعناية بالشعر المعالج بالكيراتين

GMT 03:53 2015 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

روندا روزي تتعرّض لضربة قاضية متوقعة من هولي هولم

GMT 06:38 2014 الأربعاء ,20 آب / أغسطس

توقيف نائب وكيل الملك في ابتدائية الناظور

GMT 19:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

نور الشريف يكشف حقيقة اشتراكه في فيلم روسي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib