الملحمة الليبية

الملحمة الليبية

المغرب اليوم -

الملحمة الليبية

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

وُلد هشام مطر في نيويورك، حيث كان والده ملحقاً في الوفد الليبي لدى الأمم المتحدة. ونشأ في لندن، بعد زج والده في سجن أبو سليم، الكريه الصيت. ولذلك، كتب بالإنجليزية ملحمة «البحث عن الأب». ومنذ اللحظة الأولى أصبح عالمياً، وتُرجم إلى 37 لغة، وفاز بجوائز كثيرة، أهمها «بوليتزر» غرة جوائز الأدب في الولايات المتحدة.

باستثناء كتاب واحد هو «عام في سيمبا»، كل كتابة أخرى كانت عن ليبيا، وأشهرها «العودة»، عن رجوعه إلى بنغازي، مع أمه وشقيقه زياد، بعد انهيار الجماهيرية. والآن يكمل مطر السلسلة في كتاب مثير آخر، «أصدقائي».

سرد جميل ومؤلم، وأسلوب هادئ خالٍ كلياً من الألفاظ الفارغة والتعابير المريضة، وخصوصاً من لغة الجماهيرية، واللجان، ومشانق سجن أبو سليم. يدرِّس مطر الآن في جامعات أميركا، وأعتقد أنه بلا شك، أستاذ بديع في فن السرد.

لا تزويق ولا تضخيم. وقائع عادية تتحول في سرده البسيط المباشر، إلى رواية كبرى ولوحة عالية من لوحات التجربة الإنسانية. عندما يسقط النظام ويذهب الابن إلى السجن بحثاً عن الأب، يعثر، بدلاً عن الأب، على سجين غمره الشيب، يحمل صورة والده. من أين له تلك الصورة؟ لا يتذكر. ما هو اسمه؟ لا يذكر. متى أُدخل السجن؟ لا يعرف. لماذا؟ لا يعرف.

قبل أن تفقد العائلة كل صلة مع الأب، يتمكن من أن يهرّب إليها ثلاث رسائل. يقول في إحداها: «أحياء، يمرّ عام كامل من دون رؤية الشمس، أو الخروج من الزنزانة».

نرى في أعمال هشام مطر، ظلالاً من جوزف كونراد وفلاديمير نابوكوف. ومثلهما يتساءل: هل يعود إلى بلاده، أو هذه هي بلاده؟ منفى لكنه خالٍ من اللجان؟ وإلى أي بلد يعود؟ مرة عُلقت المشانق كثيفة إلى جانب بعضها بعضاً. وقد أغلقت اللجان كل الطرق، وحوَّلت السير إلى جهة واحدة، لكي تُرغم الجميع على رؤية جثث الشبان المتدلية في الهواء، ملوية الأعناق.

بعد صدور «أصدقائي»، عدتُ إلى قراءة الكثير من أعمال هشام مطر. حاولت أن أقرأ بعين محايدة، وكأنني أقرأ كونراد أو سولجنتسن. لا يمكن، يقرّب الراوي العدسة بحيث ترى في عمق الصورة شخصيات كثيرة من تماثيل الرماد. لكن هشام مطر لم يعد يطرح المسألة كقضية. لقد بعدت في الذاكرة عميقاً كمأساة فردية أو جماعية. إذ أزاحتها مأساة أخرى «عندما فجّرت ليبيا نفسها». ولا تلتئم ولا تلتحم. أو في كلمات هشام مطر «طريق الانحراف والسقوط بلا قعر».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملحمة الليبية الملحمة الليبية



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته
المغرب اليوم - توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 08:24 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

بارما ويشعل الصراع في الدوري الإيطالي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib