كبير الجلادين

كبير الجلادين

المغرب اليوم -

كبير الجلادين

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

آخر ما قرأت من كشوفات عن عذابات العهد السوري السابق، كانت الروايات المريعة في اللقاءات التي أجراها الزميل رئيس التحرير مع مدوِّن الوثائق الرهيبة، الذي أعطى نفسه الاسم المستعار «سامي». بعد انتهاء الحلقات، اتخذت قراراً، لا أدري إن كان شجاعاً أم جباناً، هو أنني لن أقرأ بعد الآن أي شيء عن مظاهر الوحشية التي أُغرقت فيها سوريا طوال نصف قرن أو أكثر. فما قرأته من سادِيّاتٍ لا تُصدَّق يكفي 20 رجلاً و20 عقداً، ولعل في هذا ظلماً للضحايا وأهاليهم، ولسوريا نفسها، ولكنني أعترف بأنني لا أقوى على احتمال تصور البشر وهم على هذه الصورة.

يقول المدوّن «سامي» إن العقاب الأكبر يجب ألا يُنزَل بكبار الضباط؛ وإنما بصغار الجلادين الذين يبالغون في تنفيذ الأوامر، ويخترعون أسوأ أنواع التعذيب، ويرتكبون أفظع أنواع الجرائم، بحجة أنهم ينفذون أوامر لا دخل لهم فيها.

عذراً مما قد يبدو تباهياً أو افتخاراً وسط غابات الموت وأدغال الجراح، لكنني منذ سنوات طويلة وأنا أكتب في هذه الزاوية أن المجرم الأكبر في حقل القتل والتعذيب العربي، هو الجلاد الصغير. فهو الذي يقبل ويرتضي، وأحياناً يتحمّس، أن يكون أسوأ أدوات القتل البطيء والجريمة الجماعية. وفي نهاية كل يوم يعود إلى منزله هانئاً سعيداً ليتناول العشاء مع أطفاله، وربما ليروي لهم أيضاً، بكثير من المفاخرة، والتلذذ، عن بطولات ذلك النهار في سبيل أسياده ومعلميه. والأرجح أنه كان هناك سباق دائم بين الجلاوزة والقتلة المكلفين بشأن مَن يجيد أكثر من غيره طرق العذاب وهدر الكرامة البشرية، وخلط الدماء بالعظام. وربما يكون صاحبنا الأكبر يستعيد الآن في منفاه صور ما كان يأمر به.

مرّت ألمانيا ودول أوروبية أخرى بمثل ما نمرّ به الآن. ناس تُحمّل الأبرياء والمرتكِبين المسؤوليةَ نفسها. وأصبح اسم ألمانيا رديفاً لـ«الفراعات» التي لا يتصورها أحد. غير أن عدداً كبيراً من «الألمان»، أو الفرنسيين، أو السوفيات، كان بين الضحايا؛ ولذلك أُنشئت محاكم دولية خاصة، مثل محكمة نورمبورغ، يقاضَى أمامها المذنبون، ويبرَّئ فيها الأبرياء. ربما أفضل ما تفعله سوريا الجديدة الآن هي إقامة محاكم مشابهة، يُفرَز خلالها مَن أساء إلى الدولة والوطن والشعب، ومَن يمكن أن يكون له عذر شرعي في هذا الظلام الكبير. لكن حقيقة واحدة تبقى بغير حاجة إلى تأكيد، أو إلى إعادة تأكيد، هي أن المجرم الأكبر هو الجلاد الأصغر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كبير الجلادين كبير الجلادين



GMT 19:06 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ما بدأ في غزة… انتهى في داخل إيران

GMT 19:04 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الدمار والتدمير

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

تحليل الحروب على طريقة الأهلى والزمالك!

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الأهمّ هو بقاء النظام وليس بقاء النووي

GMT 18:50 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

GMT 18:49 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

إيران وأحصنة طروادة

GMT 18:48 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

دول الخليج ورسائل الوسطية

GMT 18:47 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

طبقية في زمن الحرب!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 21:53 2025 الخميس ,03 إبريل / نيسان

أداة سحرية لنسخ أي نص من شاشة جهاز ماك بسهولة

GMT 21:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

"إنستغرام" تختبر خاصية "الريلز" المقفلة

GMT 18:58 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

القنوات المجانية الناقلة لمباراة المغرب والكوت ديفوار
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib