من رجال المروءات

من رجال المروءات

المغرب اليوم -

من رجال المروءات

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

قبل نحو أربعين عاماً، قال لي غسان تويني: تعالَ معي، هناك رجل يجب أن تتعرَّف إليه. ذهبنا إلى مقهى «تروكاديرو» لنستمع إلى كريم مروة يتحدَّث عن ضرورة إصلاح الحزب الشيوعي الذي يتزعمه، وقال إن أول شيء يجب فعله هو تغيير اسم الحزب. إذ لو أن اسمه كان الحزب «الاشتراكي» بدل «الشيوعي»، لكان اليوم أكبر أحزاب لبنان.

منذ ذلك اللقاء امتدت بين كريم مروة وبيني صداقة غلب عليها انفتاحه وآفاقه العالية، خصوصاً ظرفه وروح الدعابة عنده. وكانت سمعة أهل اليسار أنهم مكفهرون، عابسون، يخافون إنْ هم ابتسموا أن يؤدّي ذلك إلى انهيار ثورة أكتوبر (تشرين الأول) المجيدة. لكنّ ثلاثة من أصدقائي و«عتاة» الشيوعية، كانوا نموذجاً نادراً في قبول الرأي الآخر: مروة، وجورج حاوي، ومحسن إبراهيم الذي كان شعلة من الذكاء والفطنة والصلابة والمرونة. وكل هذه الميزات لم يكن لها مكان؛ فقُتل حاوي، واعتكف إبراهيم، وانصرف كريم إلى كتابة السّيَر للسياسيين الذين عرفهم.

كانوا أصدقائي ولم يفاتحني أيُّ منهم مرة فيما أكتبه عن غباء وبلادة العداء الشيوعي للحريات. وكان أحد «القياديين» يصرّ في كتاباته على أن غسان تويني هو مَن «جنَّدني» في الكتابة عن الحزب، وأن جهة ما «تدفع» لي من أجل ذلك، واستمر حتى بعد سقوط الشيوعية في موسكو.

حاول كريم مروة أن يجدد الحزب، بادئاً بتطهيره من الجهل، والبلادة، والسخافات المضادة للعقل، ومن ثقلاء التجهم الفكري. ولم ييأس، ولا توقف عن العمل. وذات يوم قال لي بلهجته الجنوبية: «شو! إيمتى بدّنا نطلع أنا واياك على الخيام؟»، أي بلدة «بوابة فاطمة»، فقلت له: أنا بالكاد أستطيع الوصول إلى قريتي. وظلّ مصرّاً.

كان حريصاً على أن تتقدم عروبته آيديولوجيته. وأن يكرس في المفاهيم أن محبة لبنان ليست ضد اليسار. وبهذا المعنى كان يحلم بأن يكون كل الناس حيث يشاءون شرط أن يكونوا معاً. وهذه القاعدة، قاعدة العقل، كانت أكثر ما يجمع الفرسان الثلاثة. رحمهم الله، فقد كانوا من عبّاده والعاملين بمخافته.

عادت إلى ذاكرتي تلقائياً كيف ألحَّ عليَّ غسان تويني للتعرف إلى كريم مروة، فيما يصرّ أحد المغفلين على أن تويني هو مَن جنَّدني لمهاجمة الحزب. بعض العقول هذا هو مداها. هناك نوع آخر من المغفلين. الملحق العسكري الفرنسي في لبنان آنذاك، الذي قال لصديقي الجنرال أدونيس نعمة: صاحبك يساري كبير... حيّرتونا!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من رجال المروءات من رجال المروءات



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته
المغرب اليوم - توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 08:24 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

بارما ويشعل الصراع في الدوري الإيطالي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib