دهشة الموت

دهشة الموت !

المغرب اليوم -

دهشة الموت

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

لا يزال يدهشنى الموت، فى كل مرة أفقد عزيزًا أكتشف أننى أتعرف على الموت لأول مرة، أعلم أنه سر استمرار الحياة، لولاه ما كانت هناك حياة، النهاية تخلق البداية.

كلما مضت بنا الأيام ندرك أن من يغادرنا يأخذ جزءًا منا للعالم الآخر، نرحل بالتقسيط، ولهذا فى البداية لا نتعامل مع الخبر باعتباره نهاية حياة، ولكن بداية رحلة، وننتظر أن يتجدد اللقاء بعد نهاية الرحلة.

فى الجامع وقبل صلاة الجمعة، وجدت أخى عمر الشناوى، خبير مصرفى ويحاضر فى الاقتصاد فى العديد من الجامعات، كان طوال الأيام الماضية لا يكف الحديث عن الجنيه وعلاقته بالدولار، وكان يرى ضوءًا أبيض فى نهاية النفق المظلم.

أخى بالجينات وصديقى بالمشاعر بجوارى، إلا أنه فى صندوق بنى اللون، يطلقون عليه (نعش)، رغم أنه أحد أهم مظاهر الموت، حروف الكلمة تعنى الحياة، هل يشعر عمر بشىء الآن؟ هل هو يحب اللون البنى الغامق؟، أعلم أنه يهتم كثيرًا بالتفاصيل، لا أتصور سوى أنه اختار هذا اللون وعن سبق إصرار، أكيد كانت هناك اختيارات أخرى، أطيل النظر إلى النعش وعلى الفور أرى أخى بابتسامته الساخرة يمسح دموعى ويطبطب على كتفى.

إنهم يدركون كل التفاصيل، بل يختارون من يريدون توديعهم، إرادتهم لا تنتهى بمجرد الموت، يمنحونها لأقرب الناس إليهم لينفذوها فورًا.

هل يدرك الإنسان موعد رحيله؟ البعض يحكى أن هناك مثلًا من حدد بالدقيقة والثانية الموعد، وهو موقن من كل شىء وتعددت القصص، وهناك على العكس ما يؤكد أن فلانًا كان يخطط لعشرين سنة قادمة، ثم فاجأه الموت وهو فى عز الحياة.

يظل درس الموت ماثلًا أمامنا ولكننا عادة لا نتعلم، وأنا وعمر كثيرًا ما نختلف فكريًا، ولهذا لم أكن أتوقف عن مشاغبته وهو يبادلنى مشاغبة بمشاغبة، لا أتصوره كان يدرك مثلًا أن تلك كانت ليلته الأخيرة، بل ذهب فجرًا للمستشفى القريب من منزله، عندما شعر بضيق فى التنفس، وهو موقن أنه سيعود للمنزل؛ ثم فاضت روحه بعد لحظات إلى بارئها.. جاءنى تليفون فى الصباح الباكر ينعينى (البقاء لله)، ولم أدرك معنى الكلمة بالضبط، فلم تكن هناك أبدًا إرهاصات توحى بذلك أو تمهد له.

هل هو أيضًا فوجئ بملاك الموت؟ ربما كان هذا ما اعتقدته أنا، أو ما تصوره أقرب الناس إليه، ولكنه كان يعلم، هناك رسائل تصل إلينا من السماء، نحن لا نغادر القطار فجأة، ولكن ليس كلنا قادرين على فك شفرة الرسالة، ممكن أن تصبح تلك هى الإجابة النموذجية، ولدىّ إجابة أخرى أن البعض منا يحتفظ بالرسالة ولا يبوح بها حتى للدائرة القريبة، ترقب الرحيل أشق على النفس من الرحيل المفاجئ، ولهذا لا يبوحون أبدًا بالميعاد.

آخر رسالة تلقيتها من أخى، كان يطلب منى أن أستمع إلى تسجيل إذاعى من الأرشيف لعمى الشاعر الكبير كامل الشناوى، عثر عليه مؤخرًا، وأنا استمعت إلى كل أحاديث عمى، ولهذا لم أفتح (الرابط)، وسألنى برسالة (واتس آب) هل استمعت إليه؟ رددت: سمعته 20 مرة، وقرأت إجابته بعد خبر الرحيل: استمع إليه للمرة الـ21، واستمعت إليه قبل ساعات، وبالفعل كان عنده حق، المرة الحادية والعشرين تأملتها ببهجة ووميض مختلف.. وداعًا يا أخى والسلام أمانة على جميع من سبقونا!!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دهشة الموت دهشة الموت



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 21:53 2025 الخميس ,03 إبريل / نيسان

أداة سحرية لنسخ أي نص من شاشة جهاز ماك بسهولة

GMT 21:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

"إنستغرام" تختبر خاصية "الريلز" المقفلة

GMT 18:58 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

القنوات المجانية الناقلة لمباراة المغرب والكوت ديفوار
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib