بقلم - سليمان جودة
من الجائز أن يغير النهر مساره التفافًا على عائق من الطبيعة يعترض مجراه، وقد يتغير المجرى لأنّ يدًا بشرية تدخلت فجعلت النهر يتجه اتجاهًا آخر، ليس هو الاتجاه الذى كانت ستجرى فيه المياه!.. وقد جرى فى التاريخ ما يقول إن تغيير المسار لا يقتصر على الأنهار والبحار!.
كان ذلك فى أسرة محمد على باشا، على سبيل المثال، وكان ابنه إبراهيم باشا قد حكم مصر فى حياة أبيه، فلما رحل الابن إبراهيم جاء من بعده الحفيد عباس باشا، ابن طوسون باشا، ابن محمد على باشا. وحين رحل عباس عاد الحكم من الأحفاد إلى الأبناء، وتولى الحكم سعيد باشا، ابن محمد على باشا، وكان ولى عهده الأمير أحمد رفعت، ابن إبراهيم باشا.
والمعنى أن أحمد رفعت كان ولى عهد عمه سعيد، وكان من المفترض أن يتولى حكم مصر إذا انتهى حكم العم فى أى يوم.
ولكن القدر شاء شيئًا آخر، لأن الأمير أحمد رفعت ذهب ذات يوم يحضر حفلًا فى الإسكندرية. كان قد ذهب بالقطار، وكان من المقرر أن يعود به أيضًا، لولا أن عودته لم تكتمل. ففى كفر الزيات جرى فتح الكوبرى الذى كان القطار سوف يمر فوقه فغاص القطار فى النيل، ومعه غاص الأمير فى الأعماق، وكان أن جاء فى مكانه أخوه إسماعيل أول الذين حملوا لقب خديو فى تاريخ البلاد.
كان فتح الكبارى إجراءً مُتبعًا لتستطيع المراكب إكمال رحلتها فى النهر، ولكن فتح أى كوبرى يمر من فوقه شريط السكة الحديد كان ولا يزال مرتبطًا بالتأكد من أنه لا يوجد قطار قادم فى الطريق.. وقد كان حادث قطار كفر الزيات فريدًا من نوعه، لأنه لم يحدث قبله ولا بعده أن غرق قطار فى النهر بسبب فتح كوبرى، ولذلك قيل ولا يزال يقال إن الحادث كان عن تدبير.. ولكن لأنه لا يوجد دليل على التدبير، فلقد بقى الحادث مفتوحًا كل هذه السنين، وقُيدت القضية ضد مجهول شأن عشرات القضايا غيرها!.
النتيجة كانت أن إسماعيل جاء إلى الحكم، ولو جاء الأمير أحمد رفعت لكان مجرى تاريخ المحروسة قد سلك طريقًا لا علاقة له بالطريق الذى مضى فيه بمجىء إسماعيل.. فالذين حكموا من بعده كانوا إما ابنه توفيق، أو حفيده عباس حلمى الثانى، أو ابنه السلطان حسين، أو ابنه الملك فؤاد، أو حفيده الملك فاروق!.
لو حكم أحمد رفعت لكان المجرى قد سار فى طريق آخر تمامًا، ولكان تاريخ مصر قد تغير من النقيض إلى النقيض.