الموسوس السياسي وعلاج ابن خلدون

الموسوس السياسي... وعلاج ابن خلدون

المغرب اليوم -

الموسوس السياسي وعلاج ابن خلدون

مشاري الذايدي
بقلم - مشاري الذايدي

حدّثني رجل أمنٍ في دولة عربية عن أن القبض على مدّعي الهويّات الغيبية، مثل المهدي أو المسيح أو صاحب الزمان أو حتى الدابّة التي تخرج آخر الزمان، كان يتمُّ بمعدّلٍ شبه شهري، أو أقلّ في بعض الأحيان، ثم تحوّل التعامل مع هذا الصنف من الناس، من الجانب الأمني إلى الجانب الصحّي؛ بمعنى: التعامل مع هؤلاء على أنهم بحاجة إلى رعاية نفسية وعلاج خاص.

من يقرأ في كتب التراث العربي عن حكايات مدعّي النبوة والمهدوية، بخاصة في العصر العباسي، يجد بعض الحكايات المضحكة، للدرجة التي صارت هذه القصص تُدرج ضمن كتب أخبار الحمقى والمغفّلين، مثل ذلك المدّعي للنبوة الذي جلبوه للخليفة العباسي، فقال له الخليفة: كانت معجزة موسى شقّ البحر بعصاه، وعيسى كان يشفي الأعمى والأبرص، ومحمد معجزته القرآن، فما هي معجزتك؟

فردّ عليه مدّعي النبوة: وهل تركني جنودك حتى أجلب معجزتي؟ ادّعيتُ النبّوة في الصباح وقبضتم عليّ في المساء!

غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحدّ الظريف، فهو يتحّول أحياناً إلى قضية خطيرة وجادّة، كل الجدّ، من طرف هذا النفر من الناس؛ لأن قسماً من هؤلاء ينجح في تحشيد الأتباع، وتكوين القوة، بل الإخلال بالأمن، بل الوصول إلى السلطة فعلاً، وربما إشعال الحروب الكبرى.

قِس على مدّعي النبوة والمهدوية، مدّعي «الخلافة» في هذا العصر، أو أنه السلطان «الفاتح»، وغير ذلك من الألقاب المتكئة على خلفيات غيبية، لإضفاء هالة خاصة من الجاذبية الاستثنائية عند الجمهور.

وأجدُ أن من أحسن الحلول، غير الحلّ الأمني والقانوني والفكري، هو سلاح السخرية والهزل.

هنا أجد هذا التعليق لابن خلدون مناسباً في هذا السياق، وقد اقتبستُه من الباحث السعودي الرصين، ناصر الحزيمي، يقول ابن خلدون: «والّذي يُحتاج إليه في أمر هؤلاء؛ إما المداواة إن كانوا من أهل الجنون، وإما التّنكيل بالقتل أو الضّرب إن أحدثوا هرجاً، وإمّا إذاعة السّخرية منهم وعدّهم من جملة الصّفّاعين، وقد ينتسب بعضهم إلى الفاطميّ المُنتظر؛ إمّا بأنّه هو وإما بأنّه داعٍ له، وليس مع ذلك على علمٍ من أمر الفاطميّ ولا منْ هو، وأكثر المنتحلين لمثل هذا تجدهم موسوسين أو مجانين أو ملبّسين يطلبون بمثل هذه الدّعوة رئاسة امتلأت بها جوانحهم وعجزوا عن التّوصّل إليها بشيء من أسبابها العاديّة، فيحسبون أن هذا من الأسباب البالغة بهم إلى ما يؤمّلونه من ذلك، ولا يحسبون ما ينالهم فيه من الهلكة، فيسرع إليهم القتل بما يحدثونه من الفتنة وتسوء عاقبة مكرهم».

رحمك الله يا ابن خلدون، ليتك ترى التطّور النوعي بعدك، في أساليب وحِيل هؤلاء الذين حقّهم أن يُسخر منهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الموسوس السياسي وعلاج ابن خلدون الموسوس السياسي وعلاج ابن خلدون



GMT 19:06 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ما بدأ في غزة… انتهى في داخل إيران

GMT 19:04 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الدمار والتدمير

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

تحليل الحروب على طريقة الأهلى والزمالك!

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الأهمّ هو بقاء النظام وليس بقاء النووي

GMT 18:50 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

GMT 18:49 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

إيران وأحصنة طروادة

GMT 18:48 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

دول الخليج ورسائل الوسطية

GMT 18:47 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

طبقية في زمن الحرب!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 21:53 2025 الخميس ,03 إبريل / نيسان

أداة سحرية لنسخ أي نص من شاشة جهاز ماك بسهولة

GMT 21:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

"إنستغرام" تختبر خاصية "الريلز" المقفلة

GMT 18:58 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

القنوات المجانية الناقلة لمباراة المغرب والكوت ديفوار
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib