تحليل الغفلة وغفلة التحليل

تحليل الغفلة وغفلة التحليل

المغرب اليوم -

تحليل الغفلة وغفلة التحليل

مشاري الذايدي
بقلم - مشاري الذايدي

قليلٌ من الناس يملك القدرةَ والصبرَ على عناءِ الاطلاع على ما يقوله المخالفون له. جاء في مسرحية «مجنون ليلى» لأمير الشعراء أحمد شوقي، هذه الأبيات على لسان شخصية من شخصياته:

ما الذي أضحكَ مني الظَّبِيَاتِ العامريهْ

أَلِأنّي أنا شيعيٌّ وليلَى أُمويه؟

اختلافُ الرأي لا يفسد للودّ قضيه!

وطارَ هذا الشطر لشوقي مطيرَ الريح، وأصبحَ من الأمثال والمقولات السائرة، حتى نسي كثيرٌ من الناس أصلَ البيت الوارد في المسرحية. لكن هل صحيحٌ أنَّ اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية؟

أتحدَّث عن مثال شخصي، حين ألقَى عليَّ رجلٌ من معارفي لوماً وعتباً على فكرة طرحتها ذات مقال، وهو يكلمني كفاحاً وجهاً لوجه، في منزلي، ناقشتُه وجمعتُ حججِي التي تدعم صوابَ ما قلته، أو ما بدَا لي أنَّه الصوابُ حينَها، ردَّ عليَّ الرجلُ بما لديه، لم يقنعني ردُّه، لكن آثرت إكرامَه والكفَّ عن الجدال عندما رأيته محتداً، فقلت: من يدري ربَّما تتَّضح أدلةٌ أخرى فيما بعد، وعلى كلّ حال فـ«اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية». غضب أكثر وتهدَّج صوتُه معلناً أنَّ المسألةَ ليست وداً يطلب أو محبةً تُرجى، بل قضية «حق وباطل»، يجب عليك فيها العودةُ للحق دون مكابرة! يقصد بالحق رأيَه المحضَ الذي لم يُحسن سَوْقَ البراهين على صحتِه، فضلاً عن كونه الحقَّ الذي لا مِريةَ فيه... فقلت له مبتسماً بهدوء وترحاب: إن شاء الله.

لستُ أنفي عن نفسِي أهواءَ الانتصار للرأي، ومن منَّا بريءٌ من ذلك؟! لكن أزعمُ أنّني أضعفُ أمام الحجةِ القوية، حين أراها وأسمعُها، وإن لم أعلنْ تراجعي وقتَها، فغالباً أرجع لاحقاً، حتى لا أحرج نفسي أمام نفسي، قبل الآخرين، أو قل إنّني أفعل ذلك مراتٍ كثيرةً، وإن لم يكن في كل المرات، فقاتل الله أهواء النفوس.

الآن في جلجلة وصلصلة الجدلِ واللجاج بينَنا عن قضية «حماس» وغزة وإسرائيل والحرب والسلام واليمين واليسار والمستقبل والماضي والأصولية والمدنية، تستفحل هذه الخلافاتُ وتتحوَّل أحياناً لغزوات لفظيةٍ وشتائمَ ومحارقَ أخلاقيةٍ، أين منها مقولةُ أحمد بك شوقي؟!

ثمة فريقٌ من «محللي الغفلة» يعومون على بحر الشعبوية، وأسهل ما عليهم اعتمارُ عمائمِ الوهم، الذي يرونَه الحقَّ الصراح، من دون التفات، ولو يسيراً، لمكامنِ الخلل ومقابضِ التناقض في معمارهم التحليلي، فلا بأسَ بكل هذه المعائب ما دامَ الجمهورُ يهتف ويصفق، ولو على خرائبِ غزة وكوارثِ ناسها.

كتب الرائع الكويتي عبد اللطيف النصف مؤخراً في «النهار» الكويتية عن هذه المجموعة فقال:

«آخر ما يردّه (محللو الغفلة) هو التحذير من أنَّ الحروب الحالية تهدف إلى تفتيت وتقسيم الأوطان العربية، ومرة أخرى يحتاج هؤلاء لتذكيرهم بأنَّ الأوطان العربية قد تفتَّتت منذ أعوام طوال، فهناك فلسطين غزة وفلسطين رام الله، ليبيا طرابلس وليبيا بنغازي، يمن صنعاء ويمن عدن، عراق بغداد وعراق أربيل، سوريا دمشق وسوريا إدلب وقامشلي».

هل سيتغير هذا التردي العقلي العام؟!

يجيب النصف دون تفاؤل، أنْ لا، ما دام هذا الصنف من كتبة الجمهور «يسرحون ويمرحون ويفرحون بتضليل العقل العربي... أو ما تبقى منه!».

كم هي مؤلمة عبارة: أو ما تبقى منه، ولعلَّ في هذا الباقي غنية وكفاية!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحليل الغفلة وغفلة التحليل تحليل الغفلة وغفلة التحليل



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 14:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته
المغرب اليوم - توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:26 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بورصة مسقط تتراجع 16.3 نقطة وتغلق عند 4273.44 نقطة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib