نهاية التعايش بالإكراه في تونس

نهاية التعايش بالإكراه في تونس

المغرب اليوم -

نهاية التعايش بالإكراه في تونس

محمد الأشهب

أنهت الاستحقاقات التونسية، بشقيها الرئاسي والاشتراعي وفاق الترويكا التي أدارت فترة ما بعد إطاحة نظام زين العابدين بن علي. وسواء اختار «نداء تونس» أن يستأثر بالسلطة الرئاسية والتنفيذية والاشتراعية، وقد دانت له الغالبية أو نزع إلى اقتسام نفوذه الانتخابي مع داعميه أو حتى بعض منافسيه، فإن الواقع الجديد الذي آلت إليه التطورات السياسية أسقط فرضية التعايش بالإكراه.

كل الأحزاب في الديموقراطيات الراسخة والناشئة تتوق لحيازة غالبية تؤهلها لتنفيذ برامجها الانتخابية كاملة، من دون تنازلات. ويصبح الأمر أكثر مدعاة للارتياح حين تجمع بين الرئاسة والسلطة التنفيذية والغالبية النيابية، فيما ينصرف منافسوها إلى معاودة تنظيم صفوفهم وتشكيل حكومات ظل معارضة، في انتظار الجولة القادمة، ما يضفي على مفهوم التداول السلمي على السطة أبعادا ديموقراطية أقل تشجنا.

لن تكون تونس الأولى أو الأخيرة التي توفر لتجربتها الراهنة معطيات الانسجام والتضامن، فالرئيس الباجي قائد السبسي وفق اختصاصاته الدستورية سيكون متحرراً من قيود تقديم التنازلات، بينما مايسترو الحكومة لن تعوزه الغالبية لتمرير مشاريع القوانين التي تضع برنامجه السياسي على محك الاختبار اعتماداً على مساندة الغالبية، أما المعارضة فستكون في حل من أي اعتبار، غير ما يحتمه النقد البناء الذي يطرح البدائل.

إذا كان حلم أي حزب سياسي أن يتصرف انطلاقاً مما يتيحه تعاقد الثقة مع الناخبين، فإن «نداء تونس» استطاع أن يضمن هامشاً أوسع في إطلاق اليد، من دون مزاحمة أي طرف منافس، عدا ما يتطلبه وفاق الفاعليات التي هبت لدعمه في الاستحقاقات الانتخابية. غير أن ذلك لا يلغي حقيقة أن حركة «النهضة» الذي احتل الرتبة الثانية في الاشتراعيات نأى بنفسه عن اقتحام معركة الرئاسيات وترك لأنصاره حرية الاختيار.

لا يهم إن كان فعل ذلك بهاجس الاستفادة من أخطاء تجارب «الإخوان المسلمين» في مصر، أو استيعاب الدروس من عثرات حكم الترويكا في الفترة الانتقالية، أو الإبقاء على شعرة معاوية إزاء كافة الفرقاء القريبين أو البعيدين عن توجهاته، فقد ساعدت مواقف حركة «النهضة» التي اتسمت بقدر من الواقعية والعقلانية في تعبيد الطريق أمام العملية السياسية، وبالتالي تظل طرفاً أساسياً في المعادلة الحالية، سواء في اتجاه دعم المعارضة المرتقبة أو اختيار حل وسط، وفق ما يمكن أن يترتب على المشاورات التي سيقودها رئيس الحكومة القادم.

عملياً، يكاد الباجي قائد السبسي أن يكون استنفد الشوط الأكبر في مهمته. فقد كان عنصراً فاعلاً في المشاورات التي قادت إلى تشكيل حكومة كفاءات لرعاية الاستحقاقات الانتخابية، وهو اليوم في وضع مريح كرجل المرحلة الذي عرف قراءة مكامن الأخطاء والعثرات في التجربة السابقة. والأكيد أن اختياره لرئيس الحكومة سيحرره أكثر من أعباء السلطة التنفيذية الحارقة، بالنظر إلى حجم المشاكل والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، ومعاودة بناء ثقة الفاعليات المؤثرة في أوساط رجال الأعمال والاستثمار والحياة النقابية، إضافة إلى الاهتمامات الكبرى لفئات الشباب والنساء الذين شكلوا عماد الثورة التونسية.

كان أحد السياسيين المغاربة يصف العمل السياسي بأنه أقرب إلى تقاليد الزراعة، هناك مواسم للزراعة وأخرى للحصاد، تتخللها فترات السقي وتهذيب الحقول والتطلع إلى رحمة السماء، وكان يضيف إلى ذلك أن عمليات الحرث تتم وفق الطرق التقليدية قبل دخول الآلة، ويصدق على التجربة التونسية أنها في حاجة إلى مثل هذا التصنيف الذي يجمع بين رئيسي الدولة والحكومة، من دون إغفال المكون الاشتراعي الثالث في هرم البناء الديموقراطي.

لا وقت للتونسيين للتوقف عن نوعية الحدث، فالفرصة متاحة لأن يصنعوا ما سيحدث بكل تؤدة وروية، وبعد أن أهدت شرائح واسعة ما يكفي من الثقة والدعم للتجربة الجديدة، على المتلقين أن يبادلوا التحية بأفضل منها. لا يهم شخصية رئيس الحكومة بقدر ما يهم المنظور الذي سيتكئ عليه في إدارة سفينة البلاد. إنه يحتاج إلى مساعدين. والرهان قائم في النهاية على إنجاح العملية السياسية التي في إمكانها ترسيخ فكرة أن ما يعرف بالربيع العربي ليس كله دماء واضطرابات وقلائل وتناحرات، بل تدبير عقلاني لمفهوم التداول السلمي على السلطة الذي لا يقصي أي طرف.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية التعايش بالإكراه في تونس نهاية التعايش بالإكراه في تونس



GMT 19:06 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ما بدأ في غزة… انتهى في داخل إيران

GMT 19:04 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الدمار والتدمير

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

تحليل الحروب على طريقة الأهلى والزمالك!

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الأهمّ هو بقاء النظام وليس بقاء النووي

GMT 18:50 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

GMT 18:49 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

إيران وأحصنة طروادة

GMT 18:48 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

دول الخليج ورسائل الوسطية

GMT 18:47 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

طبقية في زمن الحرب!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 21:53 2025 الخميس ,03 إبريل / نيسان

أداة سحرية لنسخ أي نص من شاشة جهاز ماك بسهولة

GMT 21:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

"إنستغرام" تختبر خاصية "الريلز" المقفلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib