ديمقراطية تزويج الأطفال

ديمقراطية تزويج الأطفال

المغرب اليوم -

ديمقراطية تزويج الأطفال

بقلم - عبد الرحمن الراشد

العراق اليوم لديه برلمان منتخب، وقبل تسعين عاماً أيضاً كان عنده برلمان منتخب؛ أي من بين أقدم الدول معاشرة للديمقراطية الحديثة في العالم. ونظرياً؛ من المتوقع أن يتطور وعي المجتمعات مع مرور الزمن، لكن ليس هذا ما يحدث دائماً. اليوم برلمانيو العراق يتدارسون تعديل قانون الأحوال الشخصية، حتى يسمح بجملة تشريعات؛ منها السماح بتزويج البنات القاصرات إلى سن التاسعة، والسماح بالاحتكام إلى الأعراف القبلية بين العشائر... وغيرهما. تقريباً، لا يبعد كثيراً عن فكر تنظيم داعش وممارساته!
تكررت إشكالية تطبيق الديمقراطية في المجتمعات «البسيطة»، الأقل تطوراً ووعياً. فالبرلمان يعكس وضع المجتمع وثقافته، والبرلمانيون يتعاطون مع الديمقراطية بمفاهيمها الأساسية بتطبيق ما يريده الشعب، بإرضاء ناخبيهم وتلبية مطالبهم. ومعدل انتشار الثقافة والوعي في المجتمع العراقي يماثل معظم المجتمعات العربية؛ بسيط ومحدود وتغلب عليه العادات والتقاليد الريفية القديمة، رغم أن العراق بلد الحضارات العظيمة القديمة، وبلد وصلت إليه الحضارة الجديدة منذ أوائل القرن الماضي.
مصر أيضاً بلد الحضارات القديمة، وأول الدول الشرق أوسطية استجابة واستيعاباً للحضارة الصناعية الحديثة، لكنها تعاني الحالة العراقية نفسها. بعد إسقاط الرئيس حسني مبارك، من نتائج «الربيع العربي»، كان هناك جدل بين المنتصرين حول مفاهيم الديمقراطية والليبرالية المصاحبة لها. وعندما وصلت للسلطة، بالانتخاب، جماعة «الإخوان»، ممثلة في حزب محمد مرسي، كان من مساعيها كتابة دستور جديد بالتوافق مع بقية القوى السياسية. ولأنها فازت، فقد اعتقدت أن من حقها إملاء رؤيتها على الدستور المقترح، بحجة أنها حازت أكثر الأصوات. وكانت رؤيتها لدستور الدولة أنه سيكتب على حساب الأقليات مثل الأقباط، والمرأة، وكذلك تهميش مبدأ فصل السلطات بالهيمنة على القضاء. هذا مفهوم مشوه للديمقراطية.
العراقيون مغلوبون على أمرهم من قبل القوى الاجتماعية المحافظة، والدينية، والعشائرية، التي يسمح لها الدستور بالعمل السياسي، دون أن يضع حدوداً لسلطتها في استغلال نفوذها في الانتخابات والعمل البرلماني أو الحكومي. والقوى الدينية تحديداً تستغل قداسة أفرادها وخطابها للتعدي على منافسيها، أو تعزيز نفوذها بجمع الأموال باسم الدين؛ إلى تكوين ميليشيات مسلحة، مدعية أنه واجبها الديني. ولأن السلطة المركزية ضعيفة؛ لا تستطيع مجابهتها تحاشياً للفتنة الداخلية، فإن كل ما فعلته منع القوى السياسية الدينية المسلحة من الترشح. إنما هذه القوى تستطيع المناورة من خلال تعيين من تشاء لإدارة ميليشياتها المسلحة وخوض الانتخابات. لكن الدولة لا تستطيع أن تحرم على العاملين في المجال الديني، مثلما يمنع على العسكريين، دخول العمل السياسي، لأن أكثر من نصف القيادات السياسية العراقية اليوم ينتمون إلى تنظيمات دينية، وكذلك تجمعات عشائرية. ولا تستطيع السلطة القضائية العليا، هي الأخرى، التدخل لمنع البرلمان من فرض تشريعات تخالف مبادئ الديمقراطية وضد حقوق العراقيين الأساسية؛ سواء الأقليات العرقية أو الدينية، أو بشأن المرأة، أو غيرهما.
الديمقراطية تعاني في المجتمعات المتخلفة، والوعي النسبي الموجود فشل في فرض نفسه من قبل النخبة، مع أن هناك شرائح في المجتمع ذات وعي وثقافة وتعليم جيد، لكنها تبقى أقلية وقلقة. المتطرفون امتطوا الديمقراطية للوصول إلى الغايات نفسها بالاقتراع، التي فشل الإرهابيون في تحقيقها بقوة السلاح!
المفارقة هنا أن البرلمان إذا صوّت على تعديل قانون الأحوال الشخصية وسمح بتزويج «الفتيات الأطفال»؛ فحينها سيوضع العراق على لائحة الدول المخالفة لحقوق الإنسان، لكنه في الوقت نفسه سيبقى يصنف من الدول الديمقراطية في العالم؛ فقط لأن نظامه وتشريعاته كذلك.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ديمقراطية تزويج الأطفال ديمقراطية تزويج الأطفال



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:27 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 02:03 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

أجمل موديلات فساتين عروس طبقات 2020

GMT 07:33 2023 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يُصبح هداف مصر التاريخي في تصفيات كأس العالم

GMT 14:18 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

مصر ترد على وكالة "ناسا" بشأن الإعصار المتجه نحو البلاد

GMT 13:10 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

طاليب ينتقد معارضيه بعد انتصاره على الوداد

GMT 04:24 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

برنامج تجسس" يستهدف الهواتف ويسرق محتوياتها في المغرب"

GMT 19:09 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ليليان تورام يزور أكاديمية نادي الفتح الرياضي

GMT 22:36 2016 الثلاثاء ,15 آذار/ مارس

10 نصائح للعناية بالشعر المعالج بالكيراتين

GMT 03:53 2015 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

روندا روزي تتعرّض لضربة قاضية متوقعة من هولي هولم

GMT 06:38 2014 الأربعاء ,20 آب / أغسطس

توقيف نائب وكيل الملك في ابتدائية الناظور

GMT 19:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

نور الشريف يكشف حقيقة اشتراكه في فيلم روسي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib