عشر ساعات هزت سوريا والإقليم

عشر ساعات هزت سوريا والإقليم

المغرب اليوم -

عشر ساعات هزت سوريا والإقليم

بقلم - عريب الرنتاوي

على نحو مفاجئ ومتسارع، انهارت دفاعات قوات سوريا الديمقراطية «قسد» وتداعت ... حتى أنقرة، لم تكن تتوقع نتيجة كهذه، وهي المهجوسة بغطرسة القوة وخيلائها... بدا أن انسحاب الأمريكيين المتسارع من نقاط تمركزها على الحدود، قد عَمِل عَمَله، كما أن «الفيديوهات» التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر عناصر الميليشيات السائبة، وهي تنفذ إعدامات ميدانية ضد مدنيين وسياسيين وصحفيين أكراد، قد سرّعت في وتائر الانهيار، فضلاً عمّا تسببت به من إطلاق أكبر موجة نزوح جماهيري منذ اندلاع الأزمة السورية قبل ثماني سنوات: (ربع مليون سوري هجروا بيوتهم وقراهم في خمسة أيام فقط).
الاختراقات التي حققها الجيش التركي الغازي وعملاؤه، أرغمت «قسد» و»مسد» على التخلي عن ترددها وابتلاع تحفظاتها في اجتماعات دمشق والقامشلي وحلب وحميميم... لقد باتوا بين خيارين لا ثالث لهما: إما الموت على أيدي الأتراك، وأما فتح بوابات «روج آفاً» أمام وحدات الجيش والأجهزة الأمنية السورية ... لم يعد الوضع يحتمل المماطلة والتسويف، فالموت ينتظر عند المنعطف التالي، وأي تأخير، ستترتب عليه تبعات لا تحمد عقاها.
من دون أن يُطلق طلقة واحدة، أو ينزف قطرة دم واحدة، دخل الجيش السوري إلى مناطق ظلت عصية عليه لأكثر من أربع أو خمس سنوات، بل ووسط حفاوة شعبية واسعة، نقلت صورها وسائل الإعلام الموالية والمعادية لدمشق ... لم يكن يخطر ببال دمشق، حتى في أكثر أحلامها وردية، أن يصل جيشها إلى مناطق شرق الفرات الوفيرة بمياهها ونفطها وغازها وقطنها وسكانها ... هكذا، من دون قتال ولا ماراثونات تفاوضية... لكأن ترامب قدم «ما يقرب من ثلث مساحة سوريا وما يقرب من ربع سكانها» على طبق من فضة لخصومه في موسكو وطهران ودمشق والضاحية الجنوبية لبيروت.
أما المايسترو الروسي، فقد أظهر قدراً من الدهاء لا يوازيه سوى ذاك القدر الهائل من «الصبر الاستراتيجي» ... لقد أدار معركة الميدان، وهو يديرها الآن، كضابط إيقاع، يرسم للأطراف حدود تدخلها وخرائط نفوذها، ويدير من خلف الكواليس، مفاوضات شديدة التعقيد للتقريب بين المصالح المتضاربة لكل من الأكراد ودمشق وأنقرة، واضعاً نصب عينيه، أولوية تفادي الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين سوريا وتركيا ... مقدماً للأولى «الهدايا بالجملة والمفرق» وللثانية، ما يكفي من التفهم لمخاوفها وهواجسها الأمنية.
الانسحاب الأمريكي من سوريا، الذي يطمح البنتاغون لأن يكون «منظماً»، ترك خصوم واشنطن في حالة نشوة، وترك حلفاءها الأوروبيين في حالة من الارتباك والضياع ... أما حلفاؤها العرب، فقد حلّ بهم فلاديمير بوتين عارضاً «ملء فراغ» واشنطن، ليس في الشمال السوري الشرقي فحسب، بل وفي الإقليم برمته ... إنها حالة انعدام اليقين حيال واشنطن، وأنها لحظة التفكير الجدي، ومن خارج الصندوق، في الحاجة لإحداث توازن واتزان في علاقات العرب مع الأقطاب الدولية الناشئة.
وغير بعيد عن الشمال الشرقي، تواصل روسيا ضرباتها النوعية المكثفة ضد أهداف لجبهة النصرة في إدلب وأريافها، وتتزخّم العمليات الحربية السورية ضد هيئة تحرير الشام، بشحنة هائلة من المعنويات المرتفعة، تدفع دمشق لضرب مواعيد قريبة مع معرة النعمان وجسر الشغور وأريحا وإدلب ذاتها ... إنها لحظة التحول / الاختراق الاستراتيجي، التي حلّت من دون انتظار، وعلى غير توقع ... انه انقلاب المعادلات والموازين والحسابات والخرائط والرهانات.
أما لائحة كبار الخاسرين فتضم: واشنطن التي فقدت صدقيتها وأهليتها لقيادة «تحالف شرق أوسطي جديد»...نتنياهو الذي تتهاوى أمام ناظريه فكرته عن الحلف «غير المقدس» بين عرب الاعتدال وإسرائيل بقيادة واشنطن وفي مواجهة مع طهران ... وقبل هؤلاء جميعاً، الأكراد الذين خسروا مشروعهم وحلمهم، وبرهنوا للملف الألف، أنهم لا يتعلمون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عشر ساعات هزت سوريا والإقليم عشر ساعات هزت سوريا والإقليم



GMT 15:56 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

هند صبري.. «مصرية برشا»!

GMT 17:41 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

..وإزالة آثار العدوان الإسرائيلى

GMT 22:58 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سباق التسلح الجديد؟

GMT 11:26 2025 الجمعة ,30 أيار / مايو

مستحيلات يمنيّة… بعد ربع قرن على الوحدة

GMT 11:25 2025 الجمعة ,30 أيار / مايو

سر الأردن.. بعد 79 عاما من الاستقلال

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 14:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته
المغرب اليوم - توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:26 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بورصة مسقط تتراجع 16.3 نقطة وتغلق عند 4273.44 نقطة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib