حكاية«بوست»

حكاية«بوست»

المغرب اليوم -

حكاية«بوست»

بقلم : عريب الرنتاوي

كنت أعلم مسبقاً أن نشر عدد من الصور التقطت لي في حفل السفارة الإيرانية باليوم الوطني لإيران، سيثير ردود أفعال متضاربة من قبل متابعي صفحتي على “الفيسبوك”، لكنني تعمدت فعل ذلك، ربما لفضول فائض عن الحاجة، لمعرفة مواقف واتجاهات عينة من الرأي العام الأردني والعربي حيال إيران والانقسام المذهبي وحروب الطوائف والمذاهب ... وبرغم إدراكي المسبق بحجم التحولات التي طرأت في هذا المجال، إلا أنني اعترف بأنني فوجئت بجملة من المؤشرات والمعطيات، التي أرغب في تسجيلها اليوم:

أولاً؛ ثمة جيش الكتروني “إسلاموي” مستنفر ومجنّد، لا يترك مناسبة تمر من دون أن يضخ على الشبكة العنكبوتية بكل ما لديه من أفكار وقراءات ... ولأنه جيش “مؤدلج” و”مستنفر” (24/7)، فإن الانطباعات التي تخرج بها، من تعليقات هؤلاء، مضللة تماماً ... الآخرون من خارج هذه الدائرة، كسالى وغير فاعلين، أكثر ما يمكن أن يصلوا إليه هو الضغط على “زر لايك”، بيد أنهم غالباً ما يحاذرون الدخول في سجال ونقاش أو الكشف عن مواقفهم وتوجهاتهم، ولهذه الظاهرة أسباب شتى.

ثانياً؛ أن الأكاذيب التي تروجها تيارات متشددة، أكثر بكثير من الحقائق، لا قيمة للأرقام عند هؤلاء ... على سبيل المثال، فإن مقتل 300 ألف سوري بحد ذاته هو كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة، لكن بعضهم لا يمانع في جعل الرقم ثلاثة ملايين، ويرد عليه أنصاره بالتأكيد على “دقة المعلومة”، المسافة بين الرقمين هائلة، لكنها لا تستوقف أحداً ... والأهم، عندما يخرج عليك بعضهم للقول بأن هؤلاء جميعاً سقطوا برصاص إيران وميليشياتها، لكأن بقية الأطراف تكتفي بتلقيم مدافعها بالورود و”الشوكولاتة”.

ثالثاً؛ ثمة من “لا يخجل” ولا يتردد في البوح، بأن إيران أخطر على الفلسطينيين والعرب والمسلمين من إسرائيل، وأن “فقه الأولويات” يقتضي إرجاء الصراع مع إسرائيل، وربما التعاون معها، للتصدي للخطر الإيراني الماحق ... هؤلاء أبناء مدرسة في العمل السياسي، لم تر يوماً أن “فلسطين قضية مركزية لها الأولوية”، غادروا الضفة الغربية والمناطق الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي لمقاتلة “العدو الشيوعي البعيد” من قبل في أفغانستان، وهم من بَعد، مستعدون للتعاون مع إسرائيل لمقاتلة “العدو الشيعي البعيد” كذلك.

رابعاً؛ كثير من التعليقات تشف عن مدرسة مريضة في التفكير “الإسلاموي”، تحصر الإسلام بمذهب واحد من دون بقية المذاهب، وأجزم أنها تختزله بواحدة من قراءات “أهل السنة والجماعة” ... يحدثونك عن عظمة “الرابطة الدينية” بيد أن أطروحاتها، تعمل كسكين جزّار حادة النصل، تقطيعاً وتمزيقاً في أوصال الجسد الواحد ... يحدثونك عن “الأمة” و”عقيدتها” وليس لديهم من بضاعة يعرضونها سوى قراءاتهم المنفصلة عن الزمان والمكان، والتي توقفت مراجعها ومرجعياتها، عند سنين مئات خلت ... كل ما أنجزته البشرية لا يعنيهم بشيء، هاجسهم الأول والأخير، بضعة كتب لبضعة شيوخ، صارت هي مبتدأ وخبر جملتهم ... فبئس ضيق الأفق.

خامساً؛ أن الميل الجارف لـ “شيطنة” الآخر هو جزء من نظرية المؤامرة عند هؤلاء، أحدهم وهو من شيوخ “الإسلاموية” يأخذ صورة ويعلق عليها “لتعلم أنهم يعملون”، في إيحاء مريض إلى “مؤامرة” يجري تدبيرها خلف أبواب مغلقة وفي ليل بهيم، مع أنني صاحب المبادرة في نشر الصور، والصور تظهر طوابير الشخصيات والسفراء والدبلوماسيين التي أمت الحفل، ومن بينهم سفراء الاتحاد الأوروبي وروسيا وغيرهم كثر. 

سادساً؛ ولأن بعض هؤلاء – وليس جميعهم بالطبع –اعتادوا العيش الرغيد بأموال الشبكات إياها الممتدة جذروها في الدول المرجعية –مالاً وعقيدةً– فإن خيالهم المريض يصور لهم أن قبول الدعوة لحفل أو يوم وطني، لا بد أن يكون “مدفوعاً مسبقاً” ... لقد جرى تسمينهم بالمال الأسود والأفكار السوداء، فما عادوا يرون إلا صورهم في الاخرين.

سابعاً؛ لا يؤمن هؤلاء بالحوار، القطع والقطيعة هما ديدنهما ... قطع الصلات والتواصل والأعناق، والقطيعة مع “المختلف” باعتباره عدواً ... والمختلف هنا ليس بالضرورة من انتمى لقومية أخرى أو دين آخر، إذ حتى الآخر في المذهب ذاته، بات هدفاً للقطع والقطيعة، فالمصافحة والحوار والسلام مع بين أبناء “الأمة الواحدة” باتت تهمه تستوجب إحالة أوراق مقترفها إلى فضيلة المفتي.

ثامناً؛ أما بخصوص إيران، فلا أحد بغافل عن عمق الخلافات معها، ولا متجاهل لحروب الوكالة التي تنخرط فيها على أكثر من ساحة مع أطراف عربية وإسلامية أخرى ... لكن بحسابات الجغرافيا والتاريخ، إيران دولة جارة، كانت كذلك وستبقى، ولن يكون بمقدورنا “نقلها” إلى اسكندنافيا أو البلطيق، كما أن العرب والفرس عاشوا جيراناً لأكثر من ألفي عام، وسنة وشيعة عاشوا لأكثر من 1400 عام... وبدل سياسة “الانتحار الذاتي الجماعي” التي يقترحها بعض الغلاة على ضفتي المعادلة، نرى أن التوجه لإنشاء منظومة إقليمية للأمن والتعاون هو الخيار المستقبلي لكل من العرب والفرس والكرد والأتراك، الأمر الذي يستدعي الحوار والتفاوض، بدل الاقتتال والتحريض المذهبي الكريه.

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكاية«بوست» حكاية«بوست»



GMT 15:22 2025 الجمعة ,02 أيار / مايو

سوريا الجديدة ومسارات التكيّف والتطويع

GMT 10:08 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

عن تحولات الجولاني وموسم الحجيج إلى دمشق

GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته
المغرب اليوم - توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته

GMT 18:27 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 02:03 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

أجمل موديلات فساتين عروس طبقات 2020

GMT 07:33 2023 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يُصبح هداف مصر التاريخي في تصفيات كأس العالم

GMT 14:18 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

مصر ترد على وكالة "ناسا" بشأن الإعصار المتجه نحو البلاد

GMT 13:10 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

طاليب ينتقد معارضيه بعد انتصاره على الوداد

GMT 04:24 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

برنامج تجسس" يستهدف الهواتف ويسرق محتوياتها في المغرب"

GMT 19:09 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ليليان تورام يزور أكاديمية نادي الفتح الرياضي

GMT 22:36 2016 الثلاثاء ,15 آذار/ مارس

10 نصائح للعناية بالشعر المعالج بالكيراتين

GMT 03:53 2015 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

روندا روزي تتعرّض لضربة قاضية متوقعة من هولي هولم

GMT 06:38 2014 الأربعاء ,20 آب / أغسطس

توقيف نائب وكيل الملك في ابتدائية الناظور

GMT 19:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

نور الشريف يكشف حقيقة اشتراكه في فيلم روسي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib