بريطانيا ودور فتيل التفجير

بريطانيا ودور فتيل التفجير

المغرب اليوم -

بريطانيا ودور فتيل التفجير

بقلم : عريب الرنتاوي

لم يعد لبريطانيا دور رئيسي تلعبه في أزمات المنطقة وملفاتها، بعد أن غابت شمس امبراطوريتها عن هذا الإقليم وغيره، وهي التي كانت لا تغيب شمس مستعمراتها في شتى أرجاء الأرض ... لكن بريطانيا، مع ذلك، تصر على ممارسة أدوار شريرة في هذا الإقليم، من شأنها تقويض أمنه واستقراره، وتدمير عناصر القوة والاقتدار لدوله الكبرى لتبقى ربيبتها إسرائيل وحدها قوة مهيمنة، في طول الإقليم وعرضه.
أمس، افتعلت لندن حكاية «التعرض» الإيرانية لإحدى سفنها التجارية في خليج هرمز، ما أفضى إلى زيادة حدة التصعيد والتوتر في المنطقة المشتعلة أصلاً ... ردة الفعل الأمريكية جاءت فورية: تشكيل قوة بحرية أمريكية – بريطانية مع بعض الحلفاء الآخرين، لتأمين الملاحة في المضيق والخليج ... لكأن بريطانيا تدفع الولايات المتحدة دفعاً لتصعيد عدائها إيران، وتستظل بالأساطيل الأمريكية لكي تستعيد حضورها وربما «تشرعنه» تحت شعار «حرية الملاحة البحرية»، مع أن بريطانيا هي من أوعز، بتنسيق مع واشنطن، إلى سلطات جبل طارق بحجز الناقلة الإيرانية المحمّلة بالنفط، علماً بأن إيران لا تخضع للعقوبات الأوروبية، وفي محاولة لزيادة حدة الضغط على إيران ورفع وتيرة التوتر معها.
يذكرنا هذا المشهد بما سبق أن فعلته بريطانيا تحت قيادة طوني بلير في حرب الخليج الثالثة، احتلال العراق واجتياح بغداد، بناء على جملة من الأكاذيب التي «فبركها رئيس الوزراء الشاب آنذاك طوني بلير وأركان حكومته، حول مزاعم امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، ووجود روابط بين نظام حكمه وتنظيم القاعدة الإرهابي ... كان المهم بالنسبة لبريطانيا بالأمس تدمير العراق، والمهم بالنسبة لها اليوم هو تدمير إيران.
لم تنج سوريا من «الكمائن البريطانية» منذ الأيام الأولى لاندلاع أزمتها، ولندن كانت على الدوام في صدارة جبهة التصعيد، عملت كل ما بوسعها لتصعيد الحرب وإطالة أمدها، وهي اليوم تقف إلى جانب حركات انفصالية، سيراً على دأبها دائماً، وعملاً بـ»الحكمة الكولونيالية»: فرق تسد.
قبلها تآمرت بريطانيا على جمال عبد الناصر، وشنت عليه عدواناً ثلاثياً مع فرنسا وإسرائيل، وسعت في قلب نظامه، ومنعه من بناء قوات مسلحة وجيش متقدر ... ولولا أن العدوان الثلاثي كان لقمة أكبر من أن تبتلعها المؤسسة العسكرية السوفياتية، لربما كانت القوات البريطانية منتشرة على أرض الكنانة حتى يومنا هذا.
وقبلها بسنوات، كانت الإدارة البريطانية، تعكف على تعبيد الطرق لإنفاذ «وعد بلفور المشؤوم»، والإمعان في تمكين الدولة العبرية الوليدة، وتقويض دعائم الدولة الفلسطينية القائمة ... وعد بلفور الذي رفضت بريطانيا تيريزا مي الاعتذار عنه، رغم المناشدات الفلسطينية المكررة، بل وأصرت أن تحتفي بمئويته بحضور أركان الحكومة الإسرائيلية في دلالة رمزية لا تخفى معانيها على أحد.
لا تستطيع بريطانيا وحدها، حسم أي من أزماتالمنطقة أو إغلاق أي من ملفاتها ... لكنها تستطيع في المقابل، أن تكون «رأس الجسر « و»فتيل تفجير» الأزمات، ودفعها صوب حافة الهاوية ... وهي إذ تنجح في كثير من المرات، في إمساك الثور الأمريكي من قرنيه، إلا أنها لا تستطيع إجباره على الشرب دائماً، بيد أنها تبقى تحاول وتخترع الأعذار والمبررات والأكاذيب، تماماً مثلما طوني بلير في 2003.
بريطانيا كدولة عظمى تحتضر، وهي المسؤولة عن تفتت وتشظي عشرات الدول والإقليم، تواجه اليوم بذاتها، خطر تشققها وتفتتها، وستحصد وحدها ثمار ما زرعته، وقد تواجه خطر التشظي والتفتت، خصوصاً إن جاءت نتائج «البريكست» بغير ما تشتهي سفن الإمبراطورية العجوز. 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا ودور فتيل التفجير بريطانيا ودور فتيل التفجير



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته
المغرب اليوم - توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته

GMT 02:17 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

القبعات القش تتصدر قائمة أحدث صيحات الموضة

GMT 05:46 2020 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

شركة "لفيت" تنافس بأقوى سيارات الدفع الرباعي في العالم

GMT 10:29 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل ألوان احمر الشفاه لشتاء 2020

GMT 15:59 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة "هوندا" تكشف عن سيارة تعتمد على الذكاء الاصطناعي

GMT 17:56 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

اللاعب محمد الناهيري يعود إلى الفتح الرباطي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib