العلبة السوداء فتحت

العلبة السوداء فتحت

المغرب اليوم -

العلبة السوداء فتحت

توفيق بو عشرين

تقرير من 6000 صفحة يقول في أمريكا ووكالة تجسسها ما لم يقله أعداء واشنطن مجتمعون فيها، والأكثر إثارة أن التقرير التي يفضح خزانة أسرار CIA صادر عن مجلس الشيوخ الأمريكي وعن لجنة الاستخبارات فيه. لقد فتح الشيوخ والعقلاء الأمريكيون العلبة السوداء للتعذيب في بلادهم، والممارسات الحاطة من كرامة البشر أمام أعين العالم ووسائل الإعلام، التي تسابقت لعرض أهم ما جاء في تقرير حول حقائق التعذيب التي مارستها وكالة الاستخبارات الأمريكية في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن.. أسوأ رئيس في تاريخ أمريكا.

ماذا جاء في هذا التقرير؟

التقرير وقف بالأسماء والعناوين والتواريخ والوقائع عند استعمال أكثر من 20 وسيلة تعذيب أثناء التحقيق مع آلاف الموقوفين لمدة ثماني سنوات، وهذه الوسائل كلها ممنوعة في أمريكا، وهي:

الإيهام بالغرق، الحرمان من النوم، التهديد بالاغتصاب الجنسي، الضغط النفسي والجسدي، إبقاء المعتقلين مددا طويلة في الظلام وحرمانهم من الضوء، التغذية العكسية (المضرة)، الضجيج المستمر والموسيقى الصاخبة ليل نهار ولمدد طويلة، الاعتقال الفردي والعزلة التامة، الإذلال وامتهان الكرامة البشرية من خلال نزع الملابس أثناء التحقيق، أو ربط المعتقلين كالحيوانات أثناء نقلهم من معتقل إلى آخر، تمزيق الملابس وترك المعتقلين عراة كما ولدتهم أمهاتهم، السحل، الصفع واللكم، التهديد باستعمال الكهرباء في الصعق، خفض درجة حرارة الزنازين وترك المعتقلين في البرد مددا طويلة، استعمال الماء المثلج وترك المعتقلين فترات طويلة داخله، استعمال تقنية التابوت عن طريق وضع المعتقلين في علب ضيقة وإيهامهم بأنهم على وشك أن يدفنوا أحياء في هذه التوابيت، استخدام الحشرات وإجبار المعتقلين على العيش وسطها…

كل هذه الوسائل التي يرجع أصل الكثير منها إلى القرون الوسطى أدت إلى موت الكثير من المعتقلين، وإلى جنون آخرين، وإلى عاهات مستديمة نفسية وجسدية للباقين… والأكثر إجراما أن الكثير من ضحايا التعذيب ثبت أنهم أبرياء، وأن اعتقالهم تم بالخطأ، وأنهم ليسوا أعضاء في القاعدة وليسوا محاربين لأمريكا…

إلى الآن التقرير الذي أعدته لجنة من مجلس الشيوخ لم ينشر كاملا، ورئيسة اللجنة، السيناتور دايان فاينشتاين، التي توصف بالمرأة الحديدية، تقاوم ضغوطا قوية من الجمهوريين ووسائل إعلامهم ومؤسساتهم القوية التي اتهمت اللجنة بأنها تضعف هيبة أمريكا في العالم، وتحرض الشعوب الأخرى على استهداف حياة الأمريكيين، وتعطي دفعة قوية لدعاية المتطرفين ضد واشنطن ومصالحها. الجمهوريون لم يستوعبوا أن يقوم الديمقراطيون بنشر الغسيل القذر لبوش أسابيع قبل فقدان هؤلاء السيطرة على لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، أما الديمقراطيون فأسرعوا إلى إعلان التقرير مخافة أن يعمد الجمهوريون إلى إدراج التقرير، الذي استغرق إعداده خمس سنوات، تحت بند التقارير السرية التي لا يمكن للجمهور أن يطلع عليها…

ماذا يعني كل هذا؟

أولا: الأنظمة الديمقراطية ليست محصنة ضد الأخطاء والانتهاكات وجرائم الحرب والسلم والممارسات الخارجة عن القانون، خاصة خارج حدودها، وفي زمن الحرب، لكن الديمقراطية داخلها قادرة على تصحيح الأخطاء، مثل الربان الآلي في الطائرات لا يمنع الأخطاء البشرية لكنه يصححها. مثل هذا التقرير الذي يفضح المستور عن التعذيب لا تقدر أعتى الدول وأكثرها ديمقراطية في أوروبا على القيام به، وهنا نقطة قوة بلاد العم سام، ولهذا وجد التناوب على الحكم بين الأحزاب في الأنظمة الحديثة، لأن التنافس والصراع بينها لا يكونان فقط على من يخدم المواطن أكثر، بل كذلك على من يفضح فساد الآخر وأخطاءه وجرائمه أكثر، وهذا ما يدفع صاحب السلطة إلى توخي الحذر لأنه يخاف أن يأتي من بعده من يفضح جرائمه وأخطاءه…

ثانيا: البشاعة والوحشية الصاعدة من التقرير الأمريكي عن جرائم وكالة الاستخبارات الأمريكية تظهران إلى أي مدى معركة حقوق الإنسان مازالت مفتوحة في كل دول العالم رغم كل المكاسب التي تحققت، فإذا كانت أمريكا، الدولة الأكثر قوة وحرية وتأثيرا في العالم، تمارس 20 نوعا من التعذيب إلى اليوم، فماذا تركت لحكام إفريقيا وآسيا وجمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية والعالم العربي؟ هؤلاء جميعا يظهرون كتلاميذ في مدرسة بوش والمحافظين الجدد…

ثالثا: التقرير الذي نشر أول أمس يفضح جل الدول العربية التي تعاونت مع وكالات المخابرات الأمريكية في التعذيب وقامت بأعمال المناولة la sous-traitance، لصالح أمريكا، فاختطفت وعذبت واحتجزت وأهانت مواطنيها ومواطني دول أخرى شقيقة من أجل انتزاع اعترافات أو معلومات عن نشاط تنظيم القاعدة حول العالم، والمشكل أن أمريكا اليوم تحاسب أجهزة مخابراتها وتعريها أمام العالم، وتفضح أساليبها القذرة، وهي البلاد التي كانت في حرب مفتوحة على الإرهاب وفقدت 3000 أمريكيا في هجمات 11 شتنبر، لكن في الدول العربية لا أحد يجرؤ على توجيه الاتهام إلى أجهزة المخابرات، ولا على محاسبتها، ولا حتى على نقدها لأنها تبعت الوحش الأمريكي إلى غاره… ها هو الوحش الأبيض يتطهر من ذنوبه، ولو معنويا إذا لم يكن جنائيا، لكن الآخرين مازالوا في الخطيئة عالقون…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العلبة السوداء فتحت العلبة السوداء فتحت



GMT 18:02 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

حلبة من دون حبال

GMT 17:58 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

لماذا لم تتعلم إيران من درس حزب الله؟!

GMT 17:57 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

نصفُ نصرٍ في حرب إيران ــ إسرائيل

GMT 17:55 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

التاريخ والواقع.. بين الفهم والتضليل

GMT 17:53 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

خامنئي ونتنياهو ومفاتيح ترمب

GMT 17:51 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

من هو والد الشرق الأوسط؟!

GMT 17:50 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

هل ستكون الحرب الأخيرة؟

GMT 17:48 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

ما البديل أمام «حزب الله»؟

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 06:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:42 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 22:00 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

الشرطة المغربية تضبط شخصين في مدينة أكادير

GMT 17:36 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

الذهب يرتفع بنسبة 1.5% وسط إقبال قوي على الشراء

GMT 08:31 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الاتحاد السكندري في المجموعة الأولي للبطولة العربية للسلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib