عن يوسف فرج الدشت

عن يوسف فرج الدشت!

المغرب اليوم -

عن يوسف فرج الدشت

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

العمل الفني الذي يعالج بعمق وجدية واحترام كبير الداخل الإنساني ويصطف إلى جانب الانتصار وتوثيق متن المأساة التي لا توليها وسائل الإعلام بنشراتها في كل ساعة إلا القليل من الاهتمام، هو عمل يستحق أن تُرفَع له القبعة، وأن نُثنيَ على العاملين فيه، ونشدّ على يد كل من يفهم دور الفن ومناصرته اللامحدودة للإنسان، وبخاصة لأوجاعه التي تُداس بأقدام أرباب الحروب والعنف والقهر.

اللافت للانتباه أنه كلما كانت الدراما عميقة وإنسانية في رؤيتها وقضيتها شابهت الأدب في رِفعته وإبداعه وسحره.

يستحقُّ منَّا مسلسل «البطل» الكتابة والتحية؛ إذ إنه صيغ بعناية إبداعية عالية جداً: فالنص الذي ألَّفه الليث حجو ورامي كوسا عن فكرة مسرحية للراحل ممدوح عدوان قد توغل في البوح والتعبير لغةً وملامح وصمتاً وصراخاً وحباً ورصاصاً.

نعم ممدوح عدوان ذلك الأديب الرائع نصاً وإنساناً، والذي كان لي شرف التعرف إليه والتحدث مطولاً معه، وقراءة الشعر معه. كانت روحه المبدعة المختلفة حاضرة ترفرف في مسلسل «البطل»، الشيء الذي يجعلك تشعر أنك أمام عمل فني أكثر وأكبر من مسلسل.

العامل الثاني الذي عزز قوة عمل «البطل» هو مشاركة النجم الخطير بسام كوسا. أغلب الظن أن كثيراً منَّا يثق بدراما يشارك فيها بسام كوسا. وهنا أود أن أفتح هذا القوس القصير: طوبى للفنان الذي يصل إلى مرتبة الحجة المسبقة لأهمية العمل قبل مشاهدته. وهي علامة تختلف عمَّا يقوم به بعض المنتجين من جمعٍ لأسماء يرونها نجوماً معتقدين أن ذلك يكفي لضمان النجاح ونسب المشاهدة المرتفعة. وفي الحقيقة هذا التمشي القصير المدى في حين أن القيمة الفنية والصنعة والاحتراف في التمثيل والقدرة على الانتقال من شخصية في هامش السلطة والثروة والجاه إلى أخرى في قمتها مع اكتساب الخصائص النفسية الكاملة لكل شخصية... هذا ما يصنع القيمة الفنية لفنان مثل بسام كوسا، ولذلك نجد أنفسنا نثق بجودة العمل الذي يشارك فيه الفنان صاحب القيمة الفنية، لأنه لا يحط من قيمة فنّه ولا يحط من قيمة المشاهد.

وبصراحة إلى جانب «غول التمثيل» بسام كوسا فإن الممثلين كافة أبدعوا وكشفوا عن مناطق جديدة من موهبتهم؛ فإذا بمحمود نصر يؤكد موهبته وأنه يحمل الكثير للدراما مستقبلاً وأنه لا يعول على وسامته، وأيضاً الممثلة نور علي التي كانت في حاجة ماسة إلى هذا الدور كي تكشف عن بُعد آخر من موهبتها.

إذن، هناك قوة أداء تمثيلي وإخراج متقَن، ولكن قبل كل ذلك فإن الأحداث التي يعالجها هذا المسلسل هي التي أكسبت العمل القوة والتميز والتقدير. فتصوير الحياة اليومية للسوريين تحت الضرب والنزوح من البيوت وتشتت العائلات وتحول المدرسة التي هي رمز العلم والطموح والرافعة الاجتماعية والنور والحلم، إلى مراكز لإيواء الفارين من الحرب، كانت تصويراً واقعياً شافياً وضافياً، ولم يترك تفصيلاً في المشاعر والملامح لم يصوّره. والنجاح هو نقل الواقع من الشوارع والبيوت والغرف وداخل النفوس إلى الشاشة. ونعتقد أن تصوير الحياة تحت الضرب والخوف والرعب والمجهول وانسداد الأفق والبرد والجوع والظلام والوحدة والحب والتوتر، إنما يكشف عن عمق الرؤية والإلمام بالمشاعر كافة، بل أيضاً بأشكال التعبير غير المحدودة عبر نبرات الأصوات ولغات العيون.

في الظاهر يعالج المسلسل هامش الحرب في سوريا، ومأساة الناس هناك، وصعوبات الحياة اليومية، والتنفس بصعوبة، الأمر الذي جعل الهجرة حلماً يراود شخصيات مختلفة في مستوياتها ووعيها وظروفها، كأن ترك المكان هو الجامع بينهم. غير أنه في باطن الأمر يفعل الشيء ذاته: تصوير المعيش العاطفي القيمي والاجتماعي النفسي السوري.

لم يصمت المسلسل عن سقوط النظام في سوريا، واختار نهاية ملتبسة عبّر عنها وجود الطفل يوسف فرج الدشت: هذا الطفل حفيد يوسف الأستاذ والحامل تمويهاً لاسم فرج الدشت، ضحية العنف العائلي والاجتماعي الذي انهزم أمام ضيق ذات اليد وسلك طريق الفساد والاتجار بالبشر.

إن دلالات الطفل يوسف فرج الدشت مملوءة بالرموز، ومخيفة أيضاً، باعتبار أن الطفل هو المستقبل، وما يحمله من هويات وانتماء من التضارب، مما يجعل الصراع حول مَن الذي سيهيمن كفكرة وقيم واختيارات، صراعاً مفتوح السيناريوهات: يوسف الأستاذ الذي قضى غالبية حلقات المسلسل مُقعداً، مع ما يعنيه ذلك من شلل في الواقع، وفرج الدشت الذي قتله المخرج ولكنه ظل في وثيقة هوية الطفل يوسف فرج الدشت.

مسلسل «البطل» نجح جميع المشاركين فيه في أن يكونوا أبطالاً. ومصدر هذه المساواة في البطولة أن الجميع ينتمي إلى الإطار الواقعي للمأساة ويعيشونه، وكانوا ينافسون الواقع في القرب من الخيال.

مثل هذه الأعمال غير قابلة للتعريب لأنها عربية أصلاً؛ بدءاً بالوجع إلى ما يجاوره من مفردات الحياة. لذلك فهي الأقرب والأكثر صدقاً ومصداقية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن يوسف فرج الدشت عن يوسف فرج الدشت



GMT 18:02 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

حلبة من دون حبال

GMT 17:58 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

لماذا لم تتعلم إيران من درس حزب الله؟!

GMT 17:57 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

نصفُ نصرٍ في حرب إيران ــ إسرائيل

GMT 17:55 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

التاريخ والواقع.. بين الفهم والتضليل

GMT 17:53 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

خامنئي ونتنياهو ومفاتيح ترمب

GMT 17:51 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

من هو والد الشرق الأوسط؟!

GMT 17:50 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

هل ستكون الحرب الأخيرة؟

GMT 17:48 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

ما البديل أمام «حزب الله»؟

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 06:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:42 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 22:00 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

الشرطة المغربية تضبط شخصين في مدينة أكادير

GMT 17:36 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

الذهب يرتفع بنسبة 1.5% وسط إقبال قوي على الشراء

GMT 08:31 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الاتحاد السكندري في المجموعة الأولي للبطولة العربية للسلة

GMT 03:22 2018 الأحد ,23 أيلول / سبتمبر

فخامة مطعم Fume العصري في فندق Manzil Downtown

GMT 12:08 2024 الإثنين ,11 آذار/ مارس

مواعيد عرض مسلسل صدفة على قناة الحياة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib