فتنة حرب أهلية في غزة

فتنة حرب أهلية في غزة

المغرب اليوم -

فتنة حرب أهلية في غزة

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

أي حرب توصف في البدء إعلامياً، ثم تُصَنف تاريخياً، وتُوَثق دولياً تحت مُسمى «الحروب الأهلية»، تبدأ في أول المطاف فتنةً، ثم يشتعل أوارها حرباً لن تضع أوزارها قبل أن تلتهم أخضر الزرع، ويابس الحجر، لأهل بلد تنصهر في نسيج بنيانه شرائحهم الاجتماعية باختلاف طبقاتها، ومناهج انتماءاتهم السياسية بتعدد توجهاتها، وتنوع معتقداتهم المذهبية بصفائها الروحاني، وبفعل ذلك الانسجام يتشكل منهم شعب واحد ذو بنيان مرصوص يزداد قوة بالحرص على مصاهرات تقوِّي الأنساب بين العائلات، فتحصن وشائج القربى بين الناس، وتزيد منسوب حصانتها ضد الفِتن، ما ظهر منها إلى العلن وما بطن، إلا إذا أمكن للشر المختبئ تحت مسام جلد خبثاء البشر، أن ينشر سم الحقد والشحناء، فينتعش سرطان الفتنة، ويعشش في نفوس تغدو توَّاقة إلى اقتتال داخلي يسفك دماء أهل الشعب الواحد.

هذا واقع بشري قائم منذ أزمان نشوء الأمم في مختلف بقاع الأرض، ولذا لم يشذّ عنه الفلسطينيون، فدفعوا أثمان مآسي أكثر من حرب أهلية، وقاسوا ويلات أكثر من اقتتال فلسطيني. إنما تتجلى هنا مفارقة يصعب غضُّ النظر عنها، ويسطع سؤال أثير مِن قبل، ويجب أن يُسأل كلما لاحت نُذُر الفتنة الفلسطينية مجدداً. أما المفارقة فخلاصتها أن حروب الفلسطينيين الداخلية لم تشتعل إلا بعد عام 1965، أي بعد قيام فصائل وتنظيمات العمل الفدائي. وأما السؤال فهو: مَن الذين دفعوا الأثمان دائماً، والذين قاسوا الويلات باستمرار؟ بالطبع، كانوا عموم الناس ممن ليسوا في مواقع اتخاذ أي قرار. لم يكونوا لا قيادات فصائل، ولا زعماء تنظيمات، يعيشون في أكثر من ملاذ آمن حول العالم.

هل معنى ذلك أن فكرة العمل الفدائي ذاتها يجب تحميلها مسؤولية هذا الخلل الفلسطيني القاتل؟ كلا، بالتأكيد، الخطأ ليس في أن يرفض ويقاوم أبناء فلسطين اغتصاب أرض الأجداد، ولا الخطأ في مقاومة احتلال بِقاع هُجِّر إليها الأحفاد، كما هو حال قطاع غزة، مثلاً... إنما الخطأ، بل «خطيئة الخطايا الفلسطينية»، وهو وصف مؤلم حقاً، لكنه واقع، هو في انقسام القيادات وصراعاتها، نتيجةً لتشرذم ولاءاتها بين أنظمة وحكومات عربية، وغير عربية، حتى لو تسبب ذلك في اشتعال فتنة اقتتال فلسطيني. في سجلات التاريخ وقائع عدة توثق أن ذلك حصل مراراً، وفي أماكن مختلفة. الخطر الماثل الآن ينذر بوقوع غزة في فخ الفتنة ذاتها.

هناك مثالان على أوجه ذلك الخطر؛ أولهما اندلاع مظاهرات ضد حركة «حماس»، وثانيهما إقدام إحدى كبرى عائلات غزة على إعدام أحد عناصر الحركة ذاتها، علناً أمام الناس، ثأراً لمقتل شاب من أبنائها بسلاحه. الأمران لا يبشران بخير إطلاقاً. فيما يتعلق بوجود غضب شعبي تجاه «حماس»، يمكن القول إنه مُتوقع. أما انتقام عائلة لمصرع أحد شبانها بقتل «العنصر الحمساوي» فهو تصرف غير مُعتاد، وفي حال تكرر، أو اتسع نطاقه، فسوف يُسهم في إشعال نار الفتنة أكثر. تستطيع قيادة «حماس»، لو أرادت، إخماد جذوة هذه الفتنة فوراً بإعلان نيتها التخلي عن الحكم فور وضع حد للحرب، فلعلَّها تفعل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فتنة حرب أهلية في غزة فتنة حرب أهلية في غزة



GMT 18:02 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

حلبة من دون حبال

GMT 17:58 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

لماذا لم تتعلم إيران من درس حزب الله؟!

GMT 17:57 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

نصفُ نصرٍ في حرب إيران ــ إسرائيل

GMT 17:55 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

التاريخ والواقع.. بين الفهم والتضليل

GMT 17:53 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

خامنئي ونتنياهو ومفاتيح ترمب

GMT 17:51 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

من هو والد الشرق الأوسط؟!

GMT 17:50 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

هل ستكون الحرب الأخيرة؟

GMT 17:48 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

ما البديل أمام «حزب الله»؟

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 19:22 2025 الثلاثاء ,03 حزيران / يونيو

محمد صلاح يواصل كتابة التاريخ فى دوريات أوروبا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib