لو كنت معارضا

لو كنت معارضا..

المغرب اليوم -

لو كنت معارضا

عبد العالي حامي الدين

صديقي بائع الصحف والمجلات له تقييم خاص لخطاب المعارضة السياسية والإعلامية في البلاد، همس في أذني قبل أيام وأنا أتصفح الجرائد: «استمروا في عملكم وتمسكوا بمنهجكم، ولا تلتفتوا إلى معارضيكم، فهم يعيشون أسوأ أيامهم، وسيظهر حجمهم السياسي الحقيقي عند أقرب اختبار انتخابي…». سألته مستفسراً: «أترى ذلك فعلا؟ ألا تظن أنهم قادرون على أن ينالوا من تعاطف الناس مع هذه التجربة الحكومية عبر شراسة هجماتهم الإعلامية وتعدد المنابر التي تعمل على تشويه عمل هذه الحكومة والأحزاب المكونة لأغلبيتها، وعلى رأسها الحزب الذي يقود التجربة؟». أجابني باطمئنان الواثق: «منذ أكثر من ثلاثين سنة وأنا أبيع الصحف والجرائد وأخالط قارئيها من مختلف أصناف المجتمع، ولم يسبق لي أن رأيت حملات صاخبة وضجيجا إعلاميا يواكب عمل حكومة، مثل الذي تتعرض له حكومة بنكيران..المغاربة أذكياء ولهم من النباهة السياسية ما يكفي، لكي يدركوا أنه لو كان ما تروجه الحملات التشويهية والمنابر الدعائية التي تهاجم بنكيران وحكومته صحيحا بنسبة خمسة في المائة، لما لبث في المسؤولية يوما واحدا، ولخرج الناس إلى الشوارع احتجاجا على هذه الحكومة وأسقطوها منذ الأشهر الأولى..».

تأبطت جرائدي ومضيت أتأمل حال المعارضة السياسية والإعلامية التي من المفروض أن تعمل على إقناع الشعب بفشل غريمها السياسي في تولي المسؤولية، وتحصل على ثقته من أجل التداول على السلطة، وفقا لما أعطى الدستور للحكومة من صلاحيات، وانسجاما مع مبادئ الديمقراطية.

وطرحت على نفسي سؤالا صادقا: كيف يمكن للمعارضة أن تقنع الشعب بأنها بديل جدي ومفيد للحكومة الحالية؟ وماذا لو كنت أنتمي إلى حزب يمارس المعارضة في ظل هذه الحكومة؟
لنبدأ هذا التمرين:

لو كنت معارضا، لأعطيت الأولوية للدفاع عن أقصى التأويلات ديمقراطية لفصول الدستور الجديد، ولانخرطت بفعالية وبقوة اقتراحية لتجويد مشاريع القوانين التنظيمية لتنسجم أكثر مع روح الدستور..

لو كنت معارضا، لانخرطت بفعالية في ورش إصلاح العدالة ولجعلت للمعارضة موقعا متقدما في تبني هذا المشروع، ولدافعت عن استقلالية القضاء بتلازم مع مسؤولية الحكومة المنتخبة عن صياغة السياسة الجنائية وتطبيقها، ولأبدعت حلولا تُوائمُ بين استقلالية القضاء وخضوعه بشقيه الواقف والجالس للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة..

لو كنت معارضا، لصغت سياسات عمومية مبدعة في مجالي التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأحرجت الحكومة أمام الشعب عبر تقديمها كمقترحات بديلة..

لو كنت معارضا، لما لجأت إلى التعويض عن ضعف إبداعي السياسي، وتواضع قدراتي التواصلية بإقحام الحياة الخاصة للخصوم السياسيين في النقاش العمومي، ولامتنعت عن أي استغلال بشع لخصوصياتهم ونشر الشائعات والأكاذيب حولهم، ولندّدت بالتوظيف الماكر والمغرض للمعطيات الشخصية التي تعنيهم بهدف النيل من أعراضهم والمساس بأسرهم وأبنائهم… ليس حرصا على هؤلاء الخصوم، بقدر ما هو حرص على عدم تلويث الفضاء العام بقضايا لا تفيد السياسة وتضلل الرأي العام، الذي هو منطلق الاختيار الديمقراطي.

لو كنت معارضا، لناضلت من أجل استقلالية القرار الحزبي عن أي جهة خارجية، ولما سمحت لأي كان بأن يملي على الحزب قراراته واختياراته… ويملي على مناضليه اختيار قياداته.

لو كنت معارضا، لكنت من أشد المحاربين لإفساد الساسة بواسطة سلطة المال الحرام..

لو كنت معارضا، لما تنكرت لمطالب الشباب الذي حمل عبء المطالبة بتغيير الدستور يوم 20 فبراير، ونادى بإسقاط الفساد والاستبداد، ولكنت وفيا له عبر إعطائه المكانة التي تليق به في الهياكل السياسية الداخلية عوض تهميشه واستعماله وقودا في معارك ضيقة الأفق ضد الخصوم السياسيين.

تذكرت معارضة أحزاب الكتلة الديمقراطية في تسعينيات القرن الماضي وترحمت على مبدعي الأداء السياسي الأحياء والأموات في ذلك الزمن. وتذكرت، أيضا، بغير قليل من الفخر والاعتزاز أداء العدالة والتنمية عندما كان في المعارضة: لم يسجل التاريخ السياسي الطويل للمعارضة في المغرب كما للطرف السياسي المقابل أن تم استعمال الحياة الخاصة للخصوم السياسيين في الصراع السياسي، ونشر الأكاذيب والإشاعات حولهم من أجل تعويض هزيمة سياسية، كما هو الحال اليوم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لو كنت معارضا لو كنت معارضا



GMT 18:02 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

حلبة من دون حبال

GMT 17:58 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

لماذا لم تتعلم إيران من درس حزب الله؟!

GMT 17:57 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

نصفُ نصرٍ في حرب إيران ــ إسرائيل

GMT 17:55 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

التاريخ والواقع.. بين الفهم والتضليل

GMT 17:53 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

خامنئي ونتنياهو ومفاتيح ترمب

GMT 17:51 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

من هو والد الشرق الأوسط؟!

GMT 17:50 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

هل ستكون الحرب الأخيرة؟

GMT 17:48 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

ما البديل أمام «حزب الله»؟

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 06:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:42 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 22:00 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

الشرطة المغربية تضبط شخصين في مدينة أكادير

GMT 17:36 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

الذهب يرتفع بنسبة 1.5% وسط إقبال قوي على الشراء

GMT 08:31 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الاتحاد السكندري في المجموعة الأولي للبطولة العربية للسلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib